“ذوي الإعاقة” خارج حسابات السلطات الليبية
يستغل العالم يوم 3 ديسمبر للتذكير بضرورة المضي قدماً نحو تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتكييف القوانين والتشريعات والبنية التحتية مع احتياجات دمجهم في المجتمع، ويأتي شعار هذا العام: “تعزيز القيادة للأشخاص ذوي الإعاقة من أجل مستقبل شامل ومستدام”، وهو هدف يبدو بعيداً جداً عن واقع هذه الشريحة في ليبيا، ويعكس تخلّف الدولة الغارقة في الفساد عن المنهج الحقوقي على المستويين العربي والإقليم.
ولفهم حقيقة تعامي السلطات المتعاقبة عن حقوق واحتياجات ذوي الإعاقة، يكفي إجراء جولة بسيطة بين مؤسسات ومراكز عامة في إحدى المدن التي ستخلو بنسبة 99,9% من أي ملامح لمرافق أو مواقع تقديم خدمات، ترفيه، تنقّل، لوحات إرشادية، وغيرها من الأمور الخاصة بهذه الشريحة.
يقول المُدوّن عبدالسلام شليبك: “في ليبيا، نواجه تحديات تتعلق بإمكانية الوصول، التعليم، والرعاية الصحية. البنية التحتية ليست صديقة لنا، والقوانين تحتاج إلى مزيد من التفعيل والتطوير لضمان حقوقنا. ومع ذلك، نحن هنا، نُظهر شجاعة في وجه المصاعب ونبتكر حلولاً لأنفسنا ولمن حولنا.
أما في العالم، فإن الأشخاص ذوي الإعاقة يشكلون قوة مؤثرة. نرى أمثلة مُلهمة لقادة ومبتكرين وأبطال رياضيين يكسرون الصورة النمطية ويُظهرون أن الإعاقة ليست عائقًا أمام التميز”.
وفي تعليقه عن تقصير السلطات الليبية الصارخ في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رغم الوفرة المالية، يقول شليبك: “في ليبيا، حيث يفتخر المسؤولون بالمقدرات المالية التي تتمتع بها الدولة، يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة من تأخر صرف رواتبهم الشهرية. في 22 نوفمبر 2024، لم تُصرف رواتب شهر أكتوبر لمعظم الأشخاص ذوي الإعاقة، مما يزيد من صعوبة حياتهم اليومية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يعقل أن يكون راتب 650 ديناراً كافياً لتغطية احتياجات شخص ذي إعاقة؟ هذا المبلغ لا يكفي لتغطية الأدوية الضرورية، أو العناية الطبية، أو حتى الاحتياجات الأساسية الأخرى مثل الطعام والمواصلات”.
ومن جانبها، نشرت منظمة “زيكم زينا” تقريراً يرصد ما يواجهه الأشخاص ذوي الإعاقة من تحديات وعراقيل بسبب تقصير الحكومات المتعاقبة في الوفاء بالتزاماتها تجاههم، وعدم تدخلها لمعالجة كثير من الإشكاليات التي تعترض تنفيذ بعض التشريعات النافذة بالخصوص والتي تتمثل في محورين، التشريعي والتنفيذي. يتضمن الأول عدة جوانب تقصير أبرزها: عدم الالتزام بتنفيذ القانون رقم (5) لسنة 1987، ما أدى إلى تعطيل بعض القطاعات المختصة للحقوق المقررة بموجب القانون، وعدم الالتزام بتنفيذ القانون رقم (12) لسنة 2013، والذي تم بموجبه ربط قيمة المعاش الأساسي بحيث يكون معادلاً لمربوط الدرجة الأولى مع تمتع صاحب المعاش بنفس العلاوات والمزايا المقررة لهذه الدرجة، باعتبار أن القيمة المقررة حالياً لمربوط هذه الدرجة وفقا لجدول المرتبات الموحد (750) دينار، بينما ما يتقاضاه مستحقي المعاش الأساسي هو (650) دينار.
كما رصدت المنظمة عدم التزام الجهات الحكومية بالتعميمات الصادرة عن المجلس الرئاسي في حينه بشأن تنفيذ نص المادة (87) من اللائحة التنفيذية لقانون علاقات العمل الليبي رقم (12) لسنة 2010 والتي تقضي بتخصيص نسبة 5% لتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة كحد أدنى، والآخر الذي يلزم كافة الجهات العامة بضرورة تهيئة جميع مرافقها بما يضمن إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة إليها، ومنشور رئيس حكومة الوحدة الوطنية رقم (10) لسنة 2023م المتعلق بذات الشأن، بالإضافة إلى تجاهل الحكومات للقرارات الصادرة عنها بشأن الإعانة المنزلية وعدم تضمين قيمتها في الميزانية العامة للدولة والترتيبات المالية المعتمدة بالخصوص.
أما المحور التنفيذي، فتضمّن عدم انتظام صرف قيمة المعاشات الأساسية لمستحقيها (الأشخاص ذوي الإعاقة)، وفقدان دور مكاتب دعم وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة بعد استحداثها كونها (أداة ضامنة) للاندماج الفعال في السياسات والخطط الحكومية، إضافة إلى عدم وجود بيئة تعليمية ميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف تصنيفاتها نظراً لغياب سياسات تضمن الوصول، وتحوّل مراكز التأهيل وإعادة التأهيل إلى مراكز إيوائية بسبب الإهمال، مما ساهم في انطواء الأشخاص ذوي الإعاقة وعزلتهم.
إرسال التعليق