ليبيا في مزاد علني: الآثار الليبية في عواصم العالم
إعداد / عبد الوهّاب الحدّاد
في أبريل الماضي تسلّمت السلطات الليبية 9 قطع أثرية، أعادتها الولايات المتحدة الأمريكية بناء على مذكرة تفاهم بين الحكومة الليبية والولايات المتحدة وقعت عام 2018 لفرض قيود على استيراد الأثار الليبية.
من بين هذه القطع تمثال ورأس تمثال جنائزي إغريقي من مدينة شحات، وصلا إلى الولايات المتحدة من دبي عام 2008 وعُرِضا في مزاد في نيويورك، قبل أن يتم إيقاف عملية البيع ومصادرة الآثار وتسليمها للسفارة الليبية في أمريكا عام 2019.
هذه ليست الحادثة الأولى لاسترجاع قطع أثرية ليبية من الخارج، ففي عام 2019 تسلمت ليبيا مجموعة من القطع الأثرية من إيطاليا، وعام 2012 تسلمت قطعا من سويسرا، وعام 2010 أرجعت مواطنة بريطانية قطعا أثرية كان قد أخذها والدها من ليبيا عام 1953 عندما كان ناظرا لمدرسة الجيش البريطاني في مدينة الخمس آنذاك.
في المقابل هناك المئات من القطع الأثرية الليبية المنهوبة من متاحف الدولة أو تلك المتحصل عليها من عمليات التنقيب العشوائي، منتشرة في عواصم العالم.
رُصِدَ بعضُها في تقرير مهم صدر عام 2022 بعنوان “حالة التجارة غير المشروعة ونهب الآثار الليبية 2011 – 2020” أعدته الجمعية الأمريكية للبحوث الخارجية بالتعاون من شركاء ليبيين بدعم من المكتب الخارجي لسفارة الولايات المتحدة في ليبيا، نستعرض في هذا التقرير أهم فصوله ونقف عند بعض ما احتواه من معلومات.
أسواق بيع الآثار عبر الانترنت
يستعرض التقرير في فصله الرابع سوق الإنترنت الليبي للقِطع الأثرية، الذي يساعد البائعين غير الشرعيين في العثور على مشترين، حيث يشير إلى أنه مع زيادة الاتصال بالإنترنت تبنّى الليبيون وسائل التواصل الاجتماعي، وظهرت سوق عبر الانترنت لبيع الآثار الليبية، مثال ذلك: مواقع التجارة الإلكترونية الإقليمية مثل صفحة “سوق بنغازي المفتوح” أو صفحة “كل شي مستعمل ببلاش بنغازي”.
يقول التقرير: إن العملات المعدنية هي أكثر مقتنيات العصور القديمة شيوعا التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تم رصد عملة رومانية برونزية كبيرة تم تحديد سعرها بمبلغ 400 دينار ليبي، كما رصد عرض لعمود يحتوي على نقش للبيع في مجموعة تهريب الآثار على فيسبوك، وكذلك تمثال رخامي روماني.
وقد تمكّن أعضاءٌ من مصلحة الآثار الليبيّة من تحديد عناصر معروضة للبيع على فيسبوك، مسروقة من محفوظات مصلحة الآثار في بنغازي، وهي عبارة عن تمثال صغير من الطين المشوي “التيراكوتا” على طراز “تانجارا” يعود تاريخه إلى أوائل القرن الثاني قبل الميلاد.
يوضّح التقرير أن تفاصيل المستخدمين الفرديين على فيسبوك تبدو غامضة، إلا أن أولئك الذين ينشرون عن الآثار بشكل غير مشروع هم مجموعة تشترك في خاصيتين رئيسيتين: الأولى: أن جميعهم من الذكور، والخاصية الثانية: أن أعمارهم تتراوح بين سن المراهقة ومنتصف الأربعينيات.
ويبدو – بحسب التقرير – أنهم أفراد ليس لديهم روابط واضحة بشبكة أوسع أو مجموعات مسلحة، مما يدعم فكرة أن الكثير من عمليات النهب والتجارة غير المشروعة داخل ليبيا تتم من قبل أفراد أو مجموعات صغيرة تعمل بشكل انتهازي لاستثمار كميات كبيرة من القطع الأثرية المتواضعة، التي عثروا عليها، مثل: العملات المعدنية والأواني الخزفية والتماثيل النصفية الجنائزية الصغيرة.
سرقات موثقة خلال الفترة من 2011 إلى 2020
سرقات المصرف التجاري الوطني بنغازي
يذكر التقرير أن أكبر عمليات السرقة في فترة ما بعد عام 2011 كانت عبارة عن قطع أثرية مخزنة في المصرف التجاري الوطني في بنغازي، تم إيداعها من قبل مصلحة الآثار الليبية عامي 1961 و2007 في المصرف، وفي مايو 2011 اكتشفت السلطات الليبية عملية السرقة.
وقد كانت هذه القطع مخزنة في خزنة وصندوقين عسكريين من الحرب العالمية الثانية، مقفلين بإحكام، وفي مايو 2011 تم نقل الصندوقين من مبنى المصرف إلى مصرف آخر، حيث وصل صندوق واحد وفُقِدَ الآخر والخزنة أثناء عملية النقل!
والمقتنيات عبارة عن حوالي 9800 قطعة من مواقع متنوعة بما في ذلك «معبد أرتميس» في كيريني “قورينا” و«قصر الهيلنينسي» في طلميثة، وهي نتاج حفريات أجريت قبل الحرب العالمية الثانية وتضمنت 364 عملة ذهبية و2433 قطعة نقدية فضية و4484 قطعة نقدية برونزية، بالإضافة إلى مجوهرات قديمة مثل: الأقراط الذهبية، وأعمال النحت بما في ذلك المنحوتات البارزة ورؤوس التماثيل الصغيرة.
سرقات متحف سوسة
تعرض «متحف سوسة» للاقتحام والسرقة في مايو 2011 وسرقت خمس أواني من الفخار الاتيكي ذو الصورة الحمراء من المتحف، يعود تاريخ هذه الأواني إلى الفترة الهلنسية وهي أثاث جنائزي تم استخراجه من المقابر الإغريقية بالمدينة أثناء حفريات أجريت بها في تسعينيات القرن الماضي.
سرقات متحف مصراتة
في أكتوبر عام 2011 تعرض «متحف مصراتة» لسرقة 18 قطعة عملة معدنية برونزية نوميدية وقرطاجية، و11 قطعة عملة فضية مختلفة الأحجام، وعملة فضية مؤكسدة، وقطعة من طبق فخار «التيرا سيجيلاتا» من الفترة الرومانية.
سرقات متحف بني وليد
تعرض «متحف بني وليد» لعدة سرقات مما جعله أكثر المواقع استهدافا، ففي عام 2011 استخدمت وحدات من كتائب النظام السابق متحف بني وليد كقاعدة، حيث تم تدمير أجزاء من خزائن العرض وجدارن المتحف، وسرقت 315 قطعة من المتحف قبل أكتوبر 2011.
وفي عام 2013 تم قطع رأس تمثال مينيرفا وسرقته من مكان تثبيته في أرضية المتحف، وعام 2016 سرقت ثلاث أواني لحفظ رماد الموتى وأمفورا جنبا إلى جنب مع مجموعة إضافية من القطع الأثرية بما في ذلك الفخار والمصابيح والاواني الزجاجية والعملات.
تونس ومصر المحطة الأولى
ميناء دمياط، مصر
تعتبر دولتا مصر وتونس أولى المحطات للآثار الليبية المهربة من ليبيا، وذلك بسبب العامل الجغرافي فإن المواد المنهوبة من شرق ليبيا قد تمت مصادرتها في مصر، ومواد مثل المخطوطات العبرية التي جاءت من جبل نفوسة في غرب ليبيا تمت مصادرتها في تونس.
وقد جاء بالتقرير أنه تم العثور في نوفمبر 2015 على حاوية بها ورق التواليت كانت متجهة من دمياط في مصر إلى بانكوك في تايلاند تحوي أربعة صناديق خشبية بها أكثر من 1000 قطعة أثرية بينها سبع منحوتات جنائزية من سيرينايكا، وهي جريمة مشابهة لحادثة أخرى وقعت في بورسعيد عام 2011 تشير لتورط عصابة تهريب مقرها دبي بالإمارات العربية المتحدة.
زغوان وتطاوين، تونس
في نوفمبر 2017 اعتقلت الشرطة التونسية مجموعة بحوزتهم مقتنيات أثرية متنوعة، قال أحد المعتقلين إنه سافر لليبيا لشراء مخطوطات عبرية واشترى واحدة مقابل 5000 دينار ليبي.
وفي يناير 2020 ألقت دورية من الحرس الوطني التونسي القبض على مشتبه به بالقرب من الحدود الليبية بحوزته مخطوطة عبرية مغلفة بجلد ومرصعة بالأحجار الكريمة، وتم تزيين غلافها بنجمة داود والشمعدان.
الإطار القانوني لحماية الأثار الليبية
صدر أول تنظيم تشريعي للآثار الليبية في العهد العثماني، وتحديدا عام 1869م وقد نصّ على حرية تجارة الآثار داخل الأراضي الليبية، كما سمح بقدر معين من الملكية الخاصة للآثار الموجودة في المكتبات الخاصة.
وفي العهد الإيطالي، أنشئت إدارة جديدة للآثار وحمايتها، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية مكّن من سرقة سلسلة من القطع الاثرية من المتاحف الليبية آنذاك.
بعد الاستقلال، صدر أول قانون ليبي بشأن الآثار والمواقع الأثرية والمتاحف عام 1953، وقانون آخر عام 1968 وهو الذي سمح للبعثات الأثرية الأجنبية، الحق في نقل القطع المكررة من ليبيا، وهو ما جعل العديد من القطع الأثرية الليبية تتوزّع في متاحف مانشستر والمتحف البريطاني ومتحف جامعة أكسفورد وجامعة شيكاغو.
عام 1983 صدر قانون آخر اعتبر الآثار التي يزيد عمرها عن 100 عام ملكا خاصا للدولة، ومنعت الاتّجار بها ونصّت على عقوبات لكل من يخالف أحكام هذا القانون.
آخر قانون صدر عام 1995 – مازال ساريا حتى اليوم – أعيد بموجبه قانون حماية الآثار والمتاحف والمدن القديمة والمباني التاريخية، وعلى أثره أنشئت شرطة خاصة بالسياحة وحماية الآثار عام 1998م.
إرسال التعليق