الإنسان الليبي والانتهاكات الحقوقية
تنشط عدة منظمات، شخصيات ومنصات إعلامية ليبية في رصد واستنكار انتهاكات واضحة وجلية لكل ما هو إنساني في ليبيا؛ وتعتمد الإعلامية منها أسلوب الانتقاء غير البريء لمشاركتها وتسليط الضوء عليها.. فكيف يقرأها ويراها المواطنون والمواطنات الليبيون والليبيات؟
“اُعتقل إنسان بشكل غير قانوني.. هُجّر آخر.. عُذّب هذا.. ودُمّر منزل ذاك..”. بعيدًا عن اعتبار رصد الجرائم واستنكارها “مؤامرة محلية ودولية” تستهدف طرفًا يدعمه ليبي ما؛ لا يكترث أو يعترف الإنسان في مجتمعنا بالانتهاك في شكله المعنوي، وليصدقه ويستنكره يتوجب أن يتحول الانتهاك إلى شيء محسوس وملموس، أي أن يكون قد اكتوى به هو شخصيًا أو شهده عن قرب.. هذا إن لم يرى بالانتقام الجماعي الشامل، وهو ما حدث في ليبيا في عدة مناسبات.
ويظهر ذلك على مستوى الأفراد والجماعات على حد سواء؛ فالأفراد الذين يتعرضون للانتهاكات في ليبيا، وفي بعض الحالات، دعموا أو ارتكبوا انتهاكات في وقت سابق، غير مدركين لخطورة تطبيع هذه السلوكيات في المجتمع، وكونها حالة تراكمية لا تتوقف إلا بعقد اجتماعي واعٍ، وواضح المعالم على مستوى التشريعات القانونية. بل إن “الحقوقي/الإعلامي” نفسه في ليبيا (وفي حالات تكررت) شارك في دعم انتهاكات غير إنسانية، ومنهم من شارك بقتال ما، أو غاص حتى أذنيه في تمويلات مشبوهة من دول ومؤسسات وشخصيات فاسدة.
كما نشهد ذلك على مستوى الدولة والجماعات أيضًا، فقد طبّع النظام السابق في ليبيا شتى أدوات العنف والإقصاء في المجتمع الليبي، بمبررات لا تختلف في جوهرها عن التبريرات التي نسمعها اليوم من كل الأطراف الليبية والجوقة الداعمة لها (أو المستعبطة بخصوصها)، وسميت تراكمات النظام السابق على الدولة والمجتمع بـ”التركة الثقيلة”، وهي كذلك.. فهل باستطاعتنا إذًا تخمين شكل التركة المستقبلية لما يجري اليوم في ليبيا على مجتمعنا ودولتنا؟ وهل بإمكاننا –مع اعتبار سياق المرحلة التي تمر بها بلادنا- الاتفاق على مبادئ رئيسية حتى خلال صراعنا وعراكنا؟ لتجنيب مجتمعنا تركة قد تكون مدمرة هذه المرة.
إرسال التعليق