البيئة بلا بيانات.. والفساد بالأرقام
بينما تواصل ليبيا حضورها المتكرر في مؤشرات الفساد العالمية، غابت هذا العام عن مؤشر مخاطر المناخ لعام 2025 الذي يقيس مستوى تعرض دول العالم للتغيرات المناخية وآثارها الاقتصادية والبيئية. هذا الغياب لا يعني الأمان المناخي، بل يكشف فجوة خطيرة في البيانات والرصد، بحسب ما يؤكد الخبير البيئي والمدير التنفيذي للجمعية الليبية لحماية الحياة البرية، حسام الدين الشفط.
فراغ في المؤشرات… وفراغ في الرؤية
يقول الشفط إن استثناء ليبيا من المؤشر الدولي “لا يُعَدّ مؤشرا إيجابيا كما قد يظن البعض، بل دليلاً على غياب منظومة بيئية علمية متكاملة”.
ويضيف أن البلاد “تفتقر إلى قواعد بيانات مناخية وطنية حديثة، ومحطات رصد منتظمة لدرجات الحرارة والأمطار والتصحر، فضلًا عن محدودية الدراسات العلمية المحلية في هذا المجال”.
ويرى أن غياب ليبيا عن التصنيف العالمي الكامل هو “نتيجة مباشرة لضعف التنسيق بين الجهات الحكومية ومراكز البحث والجامعات، وغياب استراتيجية وطنية للتكيف مع التغير المناخي أو خطط طوارئ بيئية شاملة”.
الواقع المناخي… خطر غير مرصود، كارثة درنة نموذجاً
ورغم غياب الإحصاءات الرسمية، يشير الشفط إلى أن “الواقع الميداني يضع ليبيا ضمن الدول الأكثر عرضة لمخاطر المناخ في المنطقة المغاربية وشمال أفريقيا”.
فالتصحر يتسع سنويا، والمياه الجوفية تتراجع وتتملّح طبقاتها الساحلية، فيما ترتفع درجات الحرارة بنسب تؤثر على الزراعة والأمن الغذائي.
كما تحذّر التقديرات البيئية من تهديد المدن الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، في ظل غياب خطط واضحة للتكيّف مع هذه التحولات.
ويذكّر الشفط بأن “كارثة درنة عام 2023 لم تكن مجرد مأساة إنسانية، بل إنذار بيئي قاسٍ يختصر عواقب غياب الرصد والتخطيط العلمي”.
بين مؤشرات الفساد ومؤشرات المناخ
وفي مفارقة لافتة، يقول الشفط إن “ليبيا تحضر بانتظام في مؤشرات الفساد الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية، بينما تغيب كليا عن مؤشرات المناخ”.
ويرى أن هذه المقارنة “تكشف عن اختلال عميق في أولويات الدولة، حيث تُرصد فيها مظاهر الفشل الإداري، ولا تُرصد فيها المخاطر البيئية التي تهدد حياة المواطنين ومستقبل التنمية”.

“بينما تُنشر تقارير مفصلة عن الفساد والهدر المالي، لا توجد في ليبيا بيانات علمية دقيقة عن المطر أو الجفاف أو التصحر. هذه مفارقة تختصر أزمة الإدارة والمعرفة في آن واحد”.
إعادة الاعتبار للخبراء والمختصين.. خطوة نحو المعالجة
يؤكد الشفط أن غياب ليبيا عن المؤشرات البيئية العالمية يجب أن يُقرأ كتحذير استراتيجي، وليس كغياب عرضي. فالمعرفة بالمخاطر – كما يقول – هي الخطوة الأولى لبناء سياسات فعالة في مواجهة التغير المناخي، الذي لم يعد قضية بيئية فحسب، بل مسألة أمن قومي واقتصادي وإنساني، مضيفا أن غياب ليبيا عن مؤشر مخاطر المناخ ليس فراغا في البيانات، بل فراغ في الإرادة والرؤية. والأمم التي لا تملك بيانات… لا تملك مستقبلا”.
وفي تعليقه على القضية، يشير الباحث في مركز بحوث الأحياء البحرية بتاجوراء، ورئيس الجمعية الليبية والمغاربية لعلوم البحار، ضوء حدّود، إلى أن استبعاد المختصين والكفاءات العلمية من مواقع اتخاذ القرار أسهم في محدودية البيانات الموثوقة حول التغير المناخي في ليبيا.
وشدد حدّود على أنه إذا أرادت ليبيا تعزيز حضورها الدولي ومعالجة التحديات البيئية بفعالية، فعليها دعم المختصين وبناء نظام وطني موثوق لرصد التغير المناخي وفق المعايير الدولية.


