قيود بلا حدود (الجزء الأول)
يتدهور وضع حقوق الإنسان في ليبيا بشكل متسارع، فمع استمرار الانقسام السياسي والأمني ترتفع وتيرة الانتهاكات، وتتنوّع أشكالها، وتتسع رقعتها، حتى باتت مشاهد القمع والاغتيالات والتعذيب مألوفة لدى الناس، وكأنها جزء من واقع يومي يدفع باتجاه التطبيع مع هذه الجرائم ومع مرتكبيها.
في تقرير حديث، قدّم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع تحالف منظمات ليبيا لحقوق الإنسان تقييماً لحالة الحقوق والحريات في البلاد، ضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان.
سلّط التقرير الضوء على “المخاوف الجوهرية” التي تهدد وضع الحقوق والحريات في البلاد، وقدّم تحليلاً للانتهاكات ضد النساء، والمهاجرين، وطالبي اللجوء، والمجتمع المدني، والفضاء الحقوقي عامة.
المجتمع المدني: جمعيات بلا قانون ونشطاء بلا حماية
يؤكد التقرير – استناداً إلى قراءة قانونية حول حرية تكوين الجمعيات والتجمع السلمي – أن القيود على المجتمع المدني لا تزال قائمة، وأن السلطات تواصل فرض وصايتها على الجمعيات ومنظماتها، مستندة إلى قوانين جائرة، مثل القانون رقم 19 لسنة 2001، الذي يمنح الدولة سلطة مفرطة في تأسيس الجمعيات وتمويلها.
كما يوثّق التقرير اعتقالات تعسفية وترهيباً مستمراً بحق النشطاء، بتهم فضفاضة مثل “العمل لصالح جهات أجنبية” أو “الانحلال الأخلاقي”.
بين عامي 2023 و2024 تم توقيف 17 ناشطاً في مناطق مختلفة من البلاد، وتعرّض كثيرون لحملات تشهير بمشاركة وسائل إعلام ممولة من الدولة، وتسريب بيانات شخصية دفعت بعضهم لمغادرة البلاد.
ويرى التقرير أن هذه السياسات تهدف إلى خنق الحركات الشبابية المستقلة، ومنع أي تنظيم قد يشكّل تحدياً وتهديداً لسلطات الفساد الحاكمة.
بلاد تُشرّع القمع وتُجرّم الكلمة
لم تكن حرية التعبير أفضل حالاً؛ إذ يتعرّض الصحفيون والنشطاء لحملات قمع تستند إلى قوانين فضفاضة في صياغتها، وقمعية في جوهرها، مثل قانون مكافحة الإرهاب رقم 3 لسنة 2014، الذي يجرّم الخطاب النقدي، وقانون الجرائم الإلكترونية رقم 5 لسنة 2022، الذي يسمح بالمراقبة دون إذن قضائي، ويفرض عقوبات قاسية على مجرد التعبير عن الرأي عبر الإنترنت.
 
								


 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                    