معرض النيابة العامة للكتاب.. حضور الثقافة وغياب وزارتها
بمشاركة أكثر من 350 دار نشر محلية وأجنبية، انطلقت الدورة الثانية من معرض الكتاب الدولي في طرابلس، الذي تنظمه النيابة العامة على أرض معرض طرابلس الدولي، خلال الفترة من 15 إلى 25 أكتوبر الجاري.
وعكس الإقبال الملحوظ من الزوار بمختلف أعمارهم على المعرض، إلى جانب القائمة الطويلة لدور النشر المحلية والدولية المشاركة، تمسك القراء والمهتمين بالكتاب الورقي رغم التحديات التي يواجهها في عصر الرقمنة، وسهولة الوصول إلى المحتوى الرقمي.
فلا تقتصر قيمة الكتاب الورقي على كونه وسيلة لنقل المعرفة، بل تكمن في ما يتيحه من تواصل حِسِّي مباشر بين القارئ والمحتوى، بما يمنح تجربة القراءة بعداً إنسانياً متفرداً.
ورغم الحضور اللافت، لم يخلُ الحدث من الجدل؛ إذ تجاوزت النقاشات حدود الكتب المعروضة إلى أسئلة تتعلق بواقع الثقافة وموقعها في هيكل الدولة الليبية.
من يقود المشهد الثقافي؟
كما جرت العادة، يُعد تنظيم المعارض الثقافية الكبرى من اختصاص وزارات الثقافة أو الهيئات الوطنية للكتاب، غير أن هذا المعرض كسر تلك القاعدة، فظهور النيابة العامة بوصفها المنظم الرسمي للمعرض، وصبغة الحس الأمني التي ظهرت بين جداول فعالياته ونشاطاته، أثارت تساؤلات حول غياب المؤسسة الثقافية الرسمية وتآكل دورها على الأرض.
ويرى متابعون أن تداخل الاختصاصات يعكس أزمة أعمق من مجرد حدث ثقافي، فحين تؤول مهمة إدارة الفضاء الفكري إلى جهة قضائية، فإن ذلك لا يُعد توسعاً في الدور، بل تراجعاً في مفهوم الدولة المدنية، حيث يتراجع صوت الفكر لصالح سلطة القانون، ويتحول الفضاء الثقافي إلى مساحة خاضعة للرقابة أكثر مما هو مجالاً للنقاش الحرّ.
غياب وزارة الثقافة… أم تغييبها؟
لا يمكن تجاهل السؤال عن الحضور الرسمي لوزارة الثقافة، التي غابت تماماً عن المشهد، سواء كشريك تنظيمي أو راع رمزي. هذا الغياب لا يمكن تبريره بالعجز الإداري أو نقص التمويل -بشهادة مصروفاتها أول 8 أشهر لهذا العام والبالغة 79,2 مليون دينار- بل هو نتيجة تقاعس من قبل القائمين عليها، يتماشى مع حالة التهميش المتعمد للبعد الثقافي في سياسات الدولة، مقابل تصاعد دور المؤسسات الأمنية التي امتد نفوذها حتى إلى مساحات النشر والأحداث الثقافية.
قد يُقرأ دخول النيابة العامة على خط “العمل الثقافي” كمحاولة لملء فراغ تركته الوزارة، لكنه في الوقت ذاته يعمّق خلل التخصص المؤسسي، ويكرّس فكرة أن الثقافة لم تعد أولوية، بل مجرد واجهة شكلية لأي نشاط رسمي.
أسعار ليست في المتناول… أم تضخم؟
بعيداً عن الجدل المؤسسي، شكّلت أسعار الكتب محوراً آخر للنقاش بين الزوار والعارضين، حيث اشتكى رواد المعرض من الارتفاع المبالغ فيه –بحسب رأي البعض– في أسعار الكتب المعروضة، فيما عزى مختصون في الشأن الاقتصادي هذا الارتفاع إلى التضخم الحاصل وانهيار قيمة العملة المحلية، وهو ما انعكس على أسعار الكتب كما انعكس على باقي السلع.
وربما تسهم قلة تنظيم مثل هذه المعارض في خلق فجوات زمنية بين كل دورة وأخرى، ما يجعل ارتفاع الأسعار يبدو أكثر وضوحاً لدى المهتمين.


