عشرة كتب ليبية غير روائية.. على كل ليبي أن يقرأها
في بلدٍ ما زال يعيد التفكير في تاريخه وهويته، تمثل هذه القائمة من عشرة كتب غير روائية مساهمة في رسم صورة ليبيا من خلال أصوات كتّابها وكتاباتهم/ن. هي نصوص تجمع بين السيرة والتاريخ والفكر، وتقدّم قراءة من الداخل لمراحل التحول السياسي والاجتماعي التي مرّت بها البلاد: من التعليم والعمل العام إلى الإعلام والمنفى والسلطة. بعض هذه الكتب يستند إلى التوثيق والأرشيف، وبعضها إلى الذاكرة الشخصية، لكنها جميعًا تشترك في سعيها إلى فهم التجربة الليبية بعيدًا عن الشعارات والإنشاء. كل كتاب هنا يقدّم زاوية مختلفة من المشهد، سواء أكانت وثيقة، أو شهادة، أو تأمل فكري، ليشكّل المجموع في النهاية خريطةً معرفية تساعد القارئ على إدراك كيف كُتب التاريخ الحديث لليبيا، وكيف يمكن قراءته من جديد.
أنا خديجة الجهمي، إعداد: أسماء مصطفى الأسطى، مجلس الثقافة العام (2006)
يُوثّق أنا خديجة الجهمي، الذي أعدّته الصحفية أسماء مصطفى الأسطى، سيرة واحدة من أهم رائدات الإعلام والعمل الاجتماعي في ليبيا، المعروفة بلقب “بنت الوطن”، مقدّمًا عملاً يجمع بين التوثيق الشخصي والذاكرة الوطنية. يتتبع الكتاب نشأة خديجة الجهمي في بنغازي ودراستها في القاهرة، ثم عودتها لتصبح من أوائل العاملات في الإذاعة الليبية بعد الاستقلال، مستعرضًا صورًا ووثائق وشهادات نادرة عن نشاطها في تعليم الفتيات والدفاع عن حقوق المرأة وتأسيس البرامج الإذاعية والمجلات الثقافية النسوية. ويقدّم العمل الجهمي كرمزٍ نسويّ، وأيضا كشاعرة ومربية ومثقفة أسست لصوتٍ نسائيّ فاعل في مجتمعٍ محافظ، لتغدو سيرتها مرآةً لتحولات الوعي الليبي في منتصف القرن العشرين، ودليلاً على أن الثقافة كانت وما زالت أداة للتحرّر وبناء الذات والوطن.
المرأة الليبية: إبداع وإشعاع — حميدة العنيزي ونصف قرن من الريادة التعليمية في ليبيا، أمينة حسين بن عامر، المركز الليبي للدراسات (2005)
يُعدّ هذا الكتاب مرجعًا فريدًا في توثيق سيرة حميدة العنيزي، إحدى أبرز رائدات التعليم والعمل النسوي في البلاد، ورمزًا للتحرّر المعرفي منذ خمسينيات القرن العشرين. في هذا العمل الموثّق بالصور والوثائق التاريخية، ترصد الباحثة أمينة حسين بن عامر مسار العنيزي منذ نشأتها في بنغازي وسط بيئة محافظة إلى تأسيسها أول مدرسة أهلية للفتيات في ليبيا في أربعينيات القرن الماضي، ثم نشاطها في الجمعيات الثقافية والخيرية وتدريب المعلمات والمطالبة بتعليم البنات والمواطنة الفاعلة. يقدّم الكتاب صورة متكاملة لامرأة كسرت القيود الاجتماعية لتجعل من التعليم مشروعًا للتحرّر والعقلانية، ويعيد عبر سيرتها قراءة تحولات الوعي النسوي الليبي ودور النساء في بناء المجتمع المدني والتعليم النظامي، لتغدو سيرة العنيزي مرآةً لتاريخ وطنٍ سعى منذ لحظة الاستقلال نحو الحداثة والمعرفة.
دروب في الحياة: سيرة ذاتية، رباب عبد السلام أدهم، دار الفرجاني (2012)
دروب في الحياة شهادة فريدة على بدايات التعليم النسوي ومسار تشكّل الدولة الليبية الحديثة، إذ يوثق رحلة تمتد من زمن المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي إلى مرحلة الاستقلال والانقلاب وما أعقبه من تحولات سياسية واجتماعية. يروي الكتاب بأسلوب بسيط وحميمي مسار أسرة ليبية هاجرت من زليتن إلى دمشق ثم عمّان، قبل أن تعود ابنتها لتصبح من أوائل الليبيات المبتعثات إلى الجامعة الأميركية في بيروت عام 1954، ثم من رائدات التعليم في طرابلس عبر جمعية النهضة النسائية وإدارة معهد المعلّمات. ومن خلال هذه السيرة، يرسم دروب في الحياة صورة دقيقة لكيفية تشكّل وعي المرأة الليبية ودورها في بناء مؤسسات التعليم والمجتمع المدني، مقدّما وثيقة تجمع بين الذاكرة الشخصية والتاريخ الوطني.
فرسان بلا معركة، الصادق النيهوم، تالة للطباعة والنشر (2001)
هذا الكتاب من أكثر أعمال الصادق النيهوم تأثيرًا في الفكر الليبي والعربي، إذ يجمع مقالات نقدية كتبها في الستينيات والسبعينيات تفضح التناقض بين الخطاب الديني والممارسة الاجتماعية، وتهاجم البنى التقليدية التي كرّست التبعية والجمود. يتناول النيهوم بجرأة علاقة المجتمع بالسلطة والدين، رابطًا تحرّر الفرد بتحرّر المجتمع من بنيته الأبوية والسياسية، وطارحًا تساؤلات مبكرة حول الحداثة والقبيلة والهوية في العالم العربي. بأسلوب يجمع بين البلاغة الصحفية والصرامة الفكرية، يقدّم الكتاب بيانًا فكريًا متمرّدًا ما زال يحتفظ براهنيته، ويشكّل علامة في تاريخ الكتابة النقدية الليبية بوصفه دعوة دائمة إلى التفكير الحرّ ومساءلة المألوف.
الأصوات المهمَّشة: الخضوع والعصيان في ليبيا أثناء الاستعمار وبعده، علي عبد اللطيف أحميدة وترجمة عمر أبو القاسم الككلي، مركز دراسات الوحدة العربية (2009)
الأصوات المهمشة من أهم الدراسات التاريخية الحديثة التي أعادت النظر في تاريخ ليبيا من زاوية مختلفة عن السردية الرسمية. في هذا العمل، يعيد علي عبد اللطيف أحميدة كتابة التاريخ من “الأسفل” لا من “الأعلى”، مستندًا إلى شهادات شفوية وأرشيفات نادرة ليُبرز دور الفلاحين والبدو والنساء والمجتمعات المحلية في مواجهة الاستعمار الإيطالي وفي إعادة بناء الهوية بعد الاستقلال. يقوم الكتاب على ثنائية الخضوع والعصيان بوصفها مفتاحًا لفهم علاقة الليبيين بالسلطة والقانون والانتماء، كاشفًا عن استمرار أنماط السيطرة الاستعمارية داخل مؤسسات الدولة الحديثة. بلغة تجمع بين البحث الأكاديمي والسرد الإنساني، يتحول الأصوات المهمَّشة إلى بيان ضد النسيان، يدعو إلى كتابة تاريخٍ أكثر إنصافًا ويُعيد إلى الليبيين أصواتهم وتجاربهم المنسية في الذاكرة الوطنية.
الإبادة الجماعية في ليبيا: قراءة في التاريخ الاستعماري المنسي، علي عبد اللطيف أحميدة وترجمة محمد زاهي بشير المغيربي، مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة ومؤسسة كلام للبحوث والإعلام (2023)
يُكمل هذا الكتاب المسار البحثي الذي بدأه علي عبد اللطيف أحميدة في الأصوات المهمَّشة، موسّعًا نطاقه من استعادة صوت الضحايا إلى توثيق المأساة الجماعية التي عاشها الليبيون بين عامي 1911 و1934 تحت الاحتلال الإيطالي. في هذا العمل، يعيد أحميدة تعريف ما جرى بوصفه إبادة استعمارية ممنهجة استخدمت فيها إيطاليا معسكرات الاعتقال والتهجير القسري، خصوصًا في برقة، حيث قضى عشرات الآلاف بسبب الجوع والأمراض والنقل القسري. يعتمد الكتاب على أرشيفات نادرة وشهادات شفوية جمعت داخل ليبيا وخارجها، ليعيد إدراج التجربة الليبية في إطار دراسات الإبادة الجماعية العالمية، إلى جانب رواندا وأرمينيا والبوسنة، مسهمًا في تفكيك صمتٍ استمر لعقود في الذاكرة الأكاديمية والسياسية الغربية. ويربط أحميدة بين العنف الاستعماري وبنية الدولة الحديثة، موضحًا كيف ورثت الأنظمة الوطنية أدوات السيطرة ذاتها التي أسسها المستعمر. بهذا، يشكّل الكتاب امتدادًا نظريًا ووجدانيًا لـ الأصوات المهمَّشة، إذ يجمع بين التاريخ الشفوي والتحليل النقدي ليقدّم ليبيا لا كهوامش في تاريخ الآخرين، بل كأمةٍ نجت من الإبادة وكتبت وجودها بالذاكرة والمقاومة.
محطات: سيرة شبه ذاتية، كامل حسن المقهور، دار الروّاد (1995)
يُعدّ محطات من أبرز السير الذاتية في الأدب الليبي الحديث، إذ يمزج فيه كامل حسن المقهور بين السرد الشخصي والتأمل التاريخي والسياسي، مقدّمًا شهادة مثقفٍ ودبلوماسي عاش تحولات ليبيا من الداخل منذ ما بعد الاستقلال حتى أواخر القرن العشرين. يتنقّل الكتاب بين محطات الطفولة في حي الظهرة، ثم التعليم في مصر وباريس وسنوات العمل الدبلوماسي وتجربة الكتابة، ليقدّم صورة بانورامية عن تجربة جيلٍ شارك في بناء الدولة الليبية وشهد لاحقًا تآكل مشروعها تحت ثقل البيروقراطية والانغلاق. بأسلوبٍ رصين وهادئ، يدوّن المقهور اعترافات تتجاوز السيرة الفردية لتصبح تأملًا في معنى الانتماء والاغتراب وهشاشة الدولة حين تنفصل عن مجتمعها. يجمع محطات بين نزاهة السرد وصدق الاعتراف، ليغدو وثيقةً أدبية وسياسية تُضيء مرحلةً حاسمة من تاريخ ليبيا.
دولة الخيمة: سيرة سياسية للقذافي، مجاهد البوسيفي، منشورات ضفاف والاختلاف (2021)
يقدّم هذا الكتاب قراءة معمّقة لبنية السلطة في ليبيا عبر تتبّع تجربة معمر القذافي من انقلاب 1969 حتى سقوط نظامه في 2011، من خلال رؤية تجمع بين التحليل السياسي والسرد التأملي. في هذا العمل، يستخدم مجاهد البوسيفي رمز “الخيمة” بوصفه مفتاحًا لفهم الدولة التي أسسها القذافي، أي دولة تقوم على الزعامة الفردية والرمز والولاء، أكثر مما تقوم على المؤسسات والقانون. يستعرض الكتاب ملامح الجمهورية ثم الجماهيرية، ومن الكتاب الأخضر إلى نظام اللجان الشعبية، ومن مغامرات القذافي الإقليمية إلى عزلة العقوبات الدولية، كاشفًا عن التناقض بين خطاب الثورة وممارسات الحكم. بأسلوب دقيق وواضح، يكتب البوسيفي سيرة للنظام كما للقائد، متأملًا في الجيل الذي عاش بين الحلم الثوري وخيبة الاستبداد، وليقدّم في النهاية شهادة فكرية عن ليبيا التي تحوّلت من مشروع دولة حديثة إلى كيانٍ يحكمه الرمز. دولة الخيمة كتاب عن بلدٍ ظلّ حبيس صورته، وعن زمنٍ ما زال صداه يتردّد في الذاكرة الليبية حتى اليوم.
كُنّا وكانوا: روايتي، محبوبة خليفة، دار الروّاد (2019)
تكتب محبوبة خليفة سيرةً ذاتية تمزج بين الذاكرة الفردية والذاكرة الوطنية، لتروي نصف قرن من التحولات الليبية كما عاشتها امرأة من جيلٍ رأى الحلم الوطني يتحوّل إلى منفى طويل. يبدأ الكتاب من بنغازي، حيث درست الكاتبة وتزوّجت من المحامي جمعة عتيقة، الذي سيُعتقل مرتين بتهمة “معاداة الثورة”، لتبدأ معها رحلة الملاحقة والمنفى التي قادتهما بين روما والمغرب وبغداد والقاهرة. من خلال هذه الرحلة، تسجّل محبوبة تفاصيل إنسانية مؤثرة في نصّ يوازن بين البوح الشخصي والتأمل في وطنٍ تغيّر وجهه بالكامل. الكتاب، الذي وُلد من منشورات على فيسبوك شجعتها على جمعها ابنتها ريما، يحتفظ بعفوية التدوين ودفء اللهجتين الدرناوية والطرابلسية، ويستعيد بلغةٍ مشحونة بالعاطفة محطات المنفى، ولقاءات مع شخصيات ليبية وعربية، من منصور الكيخيا إلى محمود درويش، لتتحول السيرة الخاصة إلى بانوراما لذاكرة ليبية حديثة. بين بيت الطالبة في بنغازي ورحلات المنفى في الخارج، تكتب محبوبة عن انهيار التعليم والثقافة بعد انقلاب 1969، وعن وطنٍ فقد صوته لكنه بقي يسكنها. لذلك كُنّا وكانوا شهادة امرأة حوّلت الفقد إلى كتابة.
أرسان الروح – نجيب الحصادي، دار الفرجاني (2023)
أرسان الروح خلاصة المسار الفكري والإنساني للفيلسوف نجيب الحصادي، أحد أبرز دعاة العقلانية والتفكير النقدي في الفكر العربي المعاصر. عنوان الكتاب (“الأرسان” أي ما يُوجّه به الفرس) يرمز إلى الفكرة التي يبني عليها الحصادي تأملاته: أن الروح تحتاج إلى ضابطٍ يقودها نحو الحكمة لا نحو الجموح والغرور. في هذا النص الذي يقترب من الاعتراف الفلسفي، يتنقل الكاتب بين محطات دراسته للفلسفة في الولايات المتحدة، وسنوات تدريسه في الجامعات الليبية، وحياته بين الترجمة والبحث والعزلة، متأملاً معنى التعليم ومسؤولية الأكاديمي ودور الفكر في زمنٍ يضيق بالنقد والحرية. بأسلوبٍ رائق يجمع بين العمق والدفء، يكتب الحصادي عن الفلسفة بوصفها تمرينًا على الإنسانية، وعن الكتابة والتعليم كأفعال مقاومة ضد التكلّس، مستعيدًا وجوهًا وذكريات من المشهد الثقافي في ليبيا. إنها سيرة فكرية حميمة، يتقاطع فيها التأمل بالحياة اليومية، والفلسفة بالاعتراف الشخصي، في نصٍّ يقدّم الفيلسوف لا كناصحٍ من برجٍ عالٍ، بل كإنسانٍ يجرّب أن يعيش بفكرٍ مفتوح وروحٍ متصالحة.


