“لا للتوطين”.. العنف عوضًا عن الوعي
تصدّر وسم “لا للتوطين” منصات التواصل الاجتماعي في ليبيا، ضمن موجة تحريض مكثفة ضد المهاجرين، لم تفرّق في طياتها بين من دخل البلاد بصورة غير نظامية ومن يعيش فيها بشكل قانوني، ولم تُعنى بتفهم قضية الهجرة والعبور ضمن منظومة الهيمنة والابتزاز السياسي، بين الأطراف الليبية والحكومات الأوروبية.
ركّزت هذه الحملات على التحريض على العنف ضد المهاجرين وتصويرهم كـ”تهديد ديموغرافي وأمني” يتربص بالبلاد، لكنها تجاهلت الأسباب الحقيقية لتفاقم الأزمة، سواء بسبب سوء إدارة السلطات المحلية المنقسمة لملف الهجرة، أو نتيجة اتفاقية الحد من تدفقات الهجرة الموقعة بين ليبيا وإيطاليا عام 2017، والتي حوّلت البلاد إلى حارس وفيّ للجنوب الأوروبي.
نصّت الاتفاقية على تمويل وتدريب خفر السواحل الليبي، واعتماد طرابلس لتنسيق عمليات الإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط، وهي مسؤولية كانت سابقاً لإيطاليا ومالطا.
لكن عملياً، تحوّلت الاتفاقية إلى ترخيص بالعنف والتعذيب: فبدلاً من إنقاذ المهاجرين، يجري اعتراضهم وإعادتهم قسراً إلى أوكار تُجّار البشر في ليبيا، حيث تنتظرهم مراكز احتجاز تُدار بانتهاكات موثقة من منظمات حقوقية وأممية.
وفي روما، تعالت أصوات أكثر وعياً بحيثيّات القضية، بعد تصاعد انتهاكات خفر السواحل الليبي ضد المهاجرين في البحر، وتصديق البرلمان الإيطالي على تمديد الاتفاقية، حيث نظّم مئات المهاجرين والناشطين تظاهرات غاضبة ضد الاتفاقية التي تجعل من ليبيا سجنًا موصدًا لإبعاد المهاجرين عن أوروبا، حتى لو كان الثمن غرقهم في الطريق.
تواجه بنود الاتفاقية سيلاً من الانتقادات الحقوقية، آخرها ما وثّقه تقرير منظمة Sea-Watch الألمانية الصادر في 14 أكتوبر الجاري، والذي سجّل ما لا يقل عن 60 حادثة عنف نفذتها “ميليشيات ليبية” – من بينها ما يُعرف بخفر السواحل – بين عامي 2016 وسبتمبر 2025.
من بين هذه الحوادث، 54 حادثة وقعت في المياه الدولية، تضمنت إطلاق نار واعتداءات على فرق الإنقاذ وترك جثث في البحر.
قالت إليورا هاينزل، مديرة عمليات سفينة Sea-Watch 5، في بيان صدر يوم 26 سبتمبر:
“عنف الميليشيات الليبية ضد الفارين وسفن الإنقاذ يتزايد، فيما يكتفي الاتحاد الأوروبي بالحديث عن التدريب والتعاون”.
وما بين مزيد من العنف في البحر والتحريض على اليابسة، يراوح ملف المهاجرين في ليبيا مكانه بانتظار تحولٍ حقيقيٍّ يكسر دائرة العنف المستمرة: مهاجرون يُعادون إلى الخطر، سلطات ليبية تمارس العنف بتفويض أوروبي، ورأي عام محلي يُوجَّه نحو العداء والعنف بدل الوعي.


