فوضى البحث عن المتاعب
عبدالعزيز الوصلي \ دروج
ما تزال ليبيا خطرا على العمل الصحفي، بل هي من بين الدول الأخطر عالميا، فبيئتها الإعلامية تفتقر الحد الأدنى من السلامة والحماية، وفق المنظمات المعنية، والأسباب هي ذاتها: فوضى أمنية واستقطاب سياسي حاد، وأطراف متناحرة منذ عقد بأكمله أو يزيد، تحت مسميات عدة.
مهمة شبه مستحيلة
المنظمات الدولية ذات العلاقة تحدثت مرارا عن صعوبة العمل في ليبيا، بل إنها وصفته مرة بالمهمة شبه المستحيلة بالنسبة للصحفيين الأجانب والمراسلين المحليين على السواء، بسبب الانتهاكات والتهديدات التي يتلقونها من جميع الأطراف المسلحة، في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد وغياب القانون والسلطات القضائية.
المنزلة الحقوقية الأسوأ
الأمر الذي جعل أصغر بلد من بلدان الربيع العربي يحل في المركز الخامس مغاربياً وفي المركز 165 عالميا من أصل 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2021، الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، متأخرة بمركز واحد مقارنة بعام 2020. وهو أسوأ مركز عرفته البلاد على الإطلاق عقب التغيير الذي شهدته منذ 2011.
“مراسلون بلا حدود” طالبوا مثلا العام الماضي في مراسلة إلى بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا بالتحقيق في “الوضع المقلق للغاية للصحفيين ووسائل الإعلام” في البلاد، معددة الانتهاكات المرتكبة ضدهم. وقدمت مراسلون بلا حدود تفاصيل عن التهديدات التي تعرض لها على وجه الخصوص 12 صحفيّا و11 وسيلة إعلامية، وهي الانتهاكات التي اتخذت عدة أشكال، استنادا إلى المعلومات التي جمعتها مصادر محلية.
انتهاكات “رسمية”
الاتحاد الدولي للصحفيين في العام نفسه وصف بدوره الأوضاع بالمتفاقمة، مؤكدا في بيانات أصدرها تباعا، أن الانتهاكات التي وقعت بحق الصحفيين في ليبيا، ارتكبها أفراد من الأجهزة الأمنية الرسمية في أكثر من مناسبة ولم تقتصر على مليشيات أو أشخاص خارجين عن القانون.
الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين “أنتوني بيلانجي”، قال في غير مرة “إننا ندعم بشكل كامل الصحفيين في ليبيا وتحركهم للتوحد في الدفاع عن أنفسهم وعن حقهم في العمل في بيئة آمنة”، محملاً جميع السلطات في ليبيا المسؤولية الكاملة عن أمن الصحفيين.
خارج نطاق المراقبة والمعاقبة
في تقرير لها صدر في أكتوبر 2021، دعت بعثة تقصي الحقائق الأممية السلطات في ليبيا إلى ضمان حماية الصحفيين، لكنها لم تتطرق إلى انتهاكات حرية الصحافة في البلاد، إذ لم تحقق البعثة في الانتهاكات ضد الصحفيين منذ عام 2016.
وقال مدير مكتب منظمة مراسلون بلا حدود في تونس، صهيب خياط، “إن الصحفيين والإعلاميين العاملين في ليبيا لا يزالون يواجهون حالة خطيرة من انعدام الأمن”، داعيا بعثة تقصي الحقائق إلى إجراء تحقيق شامل في الانتهاكات المتعددة لحرية الصحافة، حاثا السلطات على إنهاء إفلاتها من العقاب.
وكلف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد منذ 2016، وهي مكونة من ثلاثة خبراء دوليين سيقدمون التقرير المقبل في يونيو 2022 خلال الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان.
وقالت منظمة مراسلون أيضا إن هذه الانتهاكات لم تصل إلى القضاء، منتقدة “فشل البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا في معالجة انتهاكات حرية الصحافة، حيث لم تجر أي تحقيق في هذه الانتهاكات منذ عام 2016”.
“ممارسات مشينة” متواصلة
واقع وإن كان لا يخفى على أحد قد عبرت عنه منظمات وجمعيات من ذوات الاختصاص محلياً ودوليا في أكثر من مناسبة، فاللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، كانت قد أعربت عن إدانتها واستنكارها الشديدين إزاء تصاعد حالات الاعتداءات والاستهدافات المتكررة التي يتعرض لها الصحفيون والإعلاميون في كافة أنحاء البلاد.
كما رفضت في بيان لها، “المساس بحرية العمل الصحفي، وممارسات التهديد والابتزاز والإرهاب المسلح، التي ترتكب في حق الصحفيين والإعلاميين، لأسباب تتعلق بعملهم”. مطالبة السلطات الليبية ومكتب النائب العام، وكل الجهات ذات العلاقة، “بالتحرك العاجل لوقف الممارسات “المشينة بحق الصحفيين والإعلاميين”.
الانعكاسات ربما “مدمرة”
اللجنة التي أعربت عن تضامنها مع الصحفيين، اعتبرت تلك الانتهاكات والممارسات المرتكبة بحقهم جريمة أخري تضاف لسلسلة الجرائم التي تستهدف حرية الصحافة والإعلام، وبقية الحريات الأساسية في ليبيا. محذرة من خطورة استمرار الإفلات من العقاب، وانعكاساته المدمرة على حرية الإعلام والرأي والتعبير، وحق المواطن في المعرفة والمشاركة والوصول للمعلومة.
بيانات لا تتوقف من هنا وهناك عبرت عن دعمها لجميع الصحفيين الليبيين، الذين يعانون منذ سنوات من الاعتداءات، وأجواء الترهيب. من بين تلك الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون، تلفيق السلطات للتهم والجرائم ضدهم، إضافة إلى توقيف الصحفيين، واعتقالهم وإخفائهم قسريا.
حراك لافت وتأثير محدود
خطورة ممارسة العمل الصحافي في ليبيا أصبحت تتزايد فعليا، والاعتداءات على العاملين في ميدان الصحافة والإعلام متواصلة، وفي أوقات سابقة مثلا وقع ما يزيد على 140 صحفية وصحفي من 20 مؤسسة إعلامية مختلفة، على رسالة موجهة إلى حكومة الوفاق الوطني، يطالبونها بالتحرك لوقف الهجمات على حرية الإعلام، وبضمان بيئة عمل آمنة للصحفيين في ليبيا.
كما أطلق صحافيون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي نداءات للحد من الانتهاكات ضد الإعلاميين، من بينها: الصحفي ليس إرهابيا، على خلفية عدة تجاوزات ترتكبها الأجهزة الأمنية، منها تعرض صحافيين لمعاملة سيئة ومنعهم من مغادرة موقع حفل تخريج دفعة من جهاز خفر السواحل بطرابلس، بحجة وجود تعليمات بعدم الدخول أو الخروج قبل وبعد مراسم الحفل بساعتين.
القاع على بعد 15 منزلة
إضافة إلى التهديدات المباشرة التي يتعرض إليها العاملون بالقطاع الإعلامي في الداخل الليبي، فإن عشرات العاملين في ذات القطاع بمؤسسة إعلامية خارج البلاد مملوكة لأحزاب وشخصيات سياسية ليبية يتعرضون للابتزاز والطرد وكثير من الاجراءات التعسفية التي يخضعون لها بسبب كونهم مغتربين ومهددين بالقتل والاعتقال في حال رجوعهم من عدة جهات محلية.
مستويات حرية الصحافة والعمل الإعلامي بليبيا في تراجع مستمر منذ 2011، ومؤشرات حرية الصحافة تسير من سيء إلى أسوأ مع دخول البلاد في حالة فوضى سياسية وحروب وسوء أحوال المعيشة ورداءة الأوضاع الأمنية، ما جعل بلدا كليبيا تقف على مشارف القاع الحقوقي على بعد 15 منزلة عن البلد الأسوأ في حرية الأعلام، حسب تصنيف مراسلون بلا حدود.
إرسال التعليق