خدمات ثقافية متواضعة، ليست للجميع – الجزء الأول
بقلم / حسام الثني – خاص.
الجزء الأول: الحقوق الثقافية
هل يتلقّى أفراد المجتمع الليبي، الخدمات الثقافية على قدم المساواة؟ وهل تفي الخدمات الثقافية، والسلع الثقافية المتاحة في ليبيا، بالحاجات الثقافية لمختلف فئات المجتمع؟ ما حال البنية التحتية لهذه الخدمات؟ ما هي أبرز العوائق التي تحول دون وصول أفراد المجتمع إلى المرافق الثقافية العامة، لا سيما ذوي العزلة الجغرافية والاجتماعية والجسدية؟ هل المرافق الثقافية في ليبيا مصمّمة للجميع؟ وقبل كل شيء ماذا نعني بالخدمات الثقافية؟
الخدمات الثقافية:
هي شطر من الخدمات العمومية التي تقدّمها الدولة للمواطنين، عبر مؤسساتها الحكومية، أو عبر المؤسسات الأهلية، أو عبر تنظيم القطاع الخاص الذي يؤدي هذه الخدمات، وتشمل على سبيل المثال: المتاحف، والمسارح، وقاعات السينما، ودور الأوبرا، والمكتبات، والمراكز الثقافية، والفضاءات، والمزارات، والحدائق العامة، وما يقع في حكمها جميعا، إضافة إلى البرامج التلفزيونية، والمسموعة، والمنصات الرقمية.
تفيدنا “ريحانة العمامي“، وهي مرشدة نفسية، بأن المتعة الناجمة عن انخراط الأفراد في الحياة الثقافية، ليست شأنا زائدا، بل حاجة سايكولوجية ضرورية للفرد، تنعكس إيجابا على صحته النفسية. وتشير إلى نتائج دراسة كانت قد أعدَّتها في وقت سابق في ليبيا، لمصلحة مجلة “أكسيولوجيا“، الصادرة عن الجامعة الليبية الدولية. أظهرت نتائج الدراسة فروقا واضحة في مؤشر “مقياس لفنستاين لإدراك الضغط“، لصالح الأفراد المنخرطين في الممارسات الثقافية.
أي أن النتائج قد بينت “أن أفراد العينة من المنخرطين في الممارسات الثقافية يحسون بضغط نفسي أقل، وهذه نتائج متّسقة بنتائج الشطر الثاني من الدراسة، حيث أُجرِيَت دراسة حالة على أربع عينات، أفادت في مواضع متفرقة بأن انقطاعها عن الانخراط في الممارسات الثقافية قد أثّر سلبا على صحتها النفسية ومزاجها العام”.
وعليه، وعلى رغم أن هذه النتائج أولية، تحتاج إلى ضرورة تعزيزها بالمزيد من البحث، كما تخبرنا ريحانة. فلا مناص من القول إن: “حرمان أي فرد من حق الوصول إلى الخدمات الثقافية، أو من حق التعبير الثقافي، أو من حق الإشراك الثقافي؛ من شأنه التأثير سلبا على صحة الفرد النفسية”.
الحقوق الثقافية:
يقودنا الحديث عن (الخدمات الثقافية)، إذن، إلى ضرورة الإشارة إلى مفهوم (الحقوق الثقافية)، الذي بات يتنامى في الأوساط الحقوقية في العقود الأخيرة.
يُنظر إلى الحقوق الثقافية على أنها حقوق أصيلة لا يمكن تجزئتها من مُجمل (حقوق الإنسان): الحق في التربية والتعليم، مثلا، والحق في اختيار الهوية الثقافية والتعبير عنها، والحق في الانتساب إلى الجماعات الثقافية، والحق في الولوج إلى الحياة الثقافية؛ كلها حقوق إنسانية ذات بعد ثقافي، لا بدّ أن يتحصل عليها الأفراد على قدم المساواة، دون أي تمييز أو مصادرة تحت أية ذريعة.
الواقع أن الحقوق الثقافية كثيرة، ويمكن هنا الإشارة إلى (إعلان فريبور) للحقوق الثقافية، الصادر في 2007، الذي جمع قدرا وافرا منها، وجعلها أكثر وضوحا للمهتمين. ويمكن على سبيل التبسيط أيضا تصنيف هذه الحقوق في ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: الوصول الثّقافيّ: ويشمل الحقوق التي تكفل لكافة أفراد المجتمع دون تمييز؛ الوصول إلى الخدمات الثقافية والسلع الثقافية، بما يحقق لهم الترفيه، والتنمية المعرفية، والتواصل الإنساني.
المستوى الثاني: التّعبير الثّقافيّ: ويشمل الحقوق التي تكفل لكافة أفراد المجتمع دون تمييز؛ التعبير الثقافي، وتنمية وسائل التعبير الثقافي، بما يحقق التواصل المعنوي، والتنمية الاقتصادية.
المستوى الثالث: الإشراك الثّقافيّ: ويشمل الحقوق التي تكفل لكافة فئات المجتمع دون تمييز؛ الإشراك في صوغ السياسات الثقافية للدولة، بما يكفل تحقيق العدالة الثقافية، والأخذ بعين الاعتبار الحاجات الثقافية المتنوعة لكافة فئات المجتمع.
لا بدّ أن يقودنا ذِكرُ حق الوصول الثقافي، إلى أبرز العوائق التي تحول دون وصول فئات المجتمع إلى الفضاء الثقافي العام. وهو موضوع الجزء الثاني من هذا المقال، الجزء الخاص بالحديث عن “عوائق الوصول“. (اضغط هُنا)
تعليق واحد