ما سبقَ الصفعة يفسّر ما جاء بعدها
وجّهت فتاة تونسية صفعة لشاب ليبي متهمة إياه بتصويرها خِلسة بإحدى الأسواق التجارية في تونس. أنكر الشاب التصوير، وبادر إلى فتح هاتفه أمامها، محاولا تبرئة نفسه، دون أن يهاجم، يشتم، يبصق أو يرفع يده.
من الخارج، قد تبدو ردة الفعل هذه تصرفا عابراً أو حتى “جباناً”، لكن خلف هذا السلوك تكمن صدمة أعمق من الصفعة نفسها، صدمة رجل أمام “صورة مرأة” لم يتعودها وينشأ في محيطها، تمتلك حداً أدنى من الحماية القانونية والاجتماعية لتواجه، تدافع عن حقها، ترفض الانتهاك، وتُعبّر عن غضبها علناً فارضةً حيزها في الفضاء العام.
ليس في هذا الاستعراض أي تبرير لأي نوع من العنف، لكن المرأة بهذا الشكل ليست مألوفة في مخيال الرجل الليبي، إلا في القصص الخيالية أو المنشورات الساخرة التي تُصوّرها كأسطورة فاجرة تُستدعى للسخرية من فكرة أن تمتلك امرأة سلطة الغضب، وتتجرأ على المواجهة، وتُعرف هذه الأسطورة بـ”الفانص” أو “الجالط”.
الغاية من استحضار صورة المرأة التي تمتلك حق الغضب هنا ليس المقارنة؛ فلا يمكننا تقديم تونس كحالة مثالية في قضايا العنف ضد النساء. فالعنف القائم على النوع لا يزال واقعاً ملموساً، وتكشفه تقارير رسمية وقضايا انتهاكات ضد النساء. لكن ما يجعل التجربة التونسية مختلفة هو وجود شكل لمنظومة قانونية تحاول فرض حدٍّ أدنى من الردع، وإطار مؤسسي يمكن للمرأة أن تلجأ إليه حين تُنتهك حقوقها، وجمعيات ومنظمات أهلية تقدم الدعم وفرص النجاة، بالإيواء والدعم النفسي والقانوني.
ورغم محدودية هذه الحماية وصعوباتها العملية، إلا أنها تُمثّل فرقا جوهريا: في تونس، يمكن للمرأة أن تشتكي، أن ترغب في محاسبة المعتدين عليها، وأن تُسمَع. لا تُجرَّم من الجميع لأنها تجرأت على الكلام، وستجد من يدعمها إذا اختُزِلت شكواها في سمعتها أو شرف عائلتها.
في المقابل، لا تملك المرأة الليبية حتى هذا الهامش الضيق من الحماية. فغياب التشريعات الفاعلة، وتراجع المؤسسات، وتغوّل الأعراف الاجتماعية، جعلها عالقة في فراغ قانوني وأخلاقي.
حين تتعرض للعنف، لا تجد بابًا تلجأ إليه، فالعائلة تخشى الفضيحة والعار، القبيلة تبرر الجريمة باسم “الهيبة والعادات”، المؤسسات الدينية تُعيد توجيه اللوم عليها من بوابة الذنب، والدولة غائبة أو غير معنية. وسط كل هذا، لا تجد المرأة الليبية نفسها في مواجهة رجل واحد فقط، بل تواجه نظاما كاملاً من الرجال — في البيت، والقبيلة، والمنبر الديني، والقانون— يتقاطعون جميعا لحمايته من أي مساءلة.


