معتقلات الإبادة الجماعية الإيطالية في ليبيا
معتقل المقرون هو أحد معتقلات الإبادة الإيطالية لسكان برقة الليبية، وقد دوّن الليبيون معظم قصصهم ومعاناتهم وقتها في الشعر الشعبي، كما دوّن الكاتب الليبي أحمد يوسف عقيلة شهادات عديدة للناجين، وعلى رأسها شهادة أمّه رجعة بنت يونس (1911 – 2013) التي نجت وبقيت لتسرد بعض أهوال تلك التجربة، بل وتزوّجت والده في قلب المعتقل، فيما تدلّت جثة موسوليني رأسًا على عقب.
كتاب الجراب لأحمد يوسف عقيلة:
”كثيراً ما أطلب من أمّي أن تحدثني عن المعتقلات.. فتغمض عينيها وتهز رأسها:
⁃سريب طويل.. الله لا يعيده على مسلم.. كلينا الزنْباع والرينش.. اصبح الواحد جلد على عظم.. كنا نلمّو بعر البِل.. ناخذوا حبات الشعير الممصوصة اللي في البعر.. نحمّصوهن وناكلوهن.. اسنين جوع.. حتى الذيب في الوديان جاع! في المقرون كان عمري خمسطاش والا ستطاشر سنة.. لا أب لا أم.. بوي مات في الحرب.. أمي ماتت ونا في ظهرها.. كنت نبكي على سدادة القِدر.. قطعة عجينة سودا من الدخان.. كل صبح يوزعوا علينا (الرّسيوني).. كل بيت قدح دقيق.. الشبردق فيه أربع أفواه.. كل فم تقابل فيه جبّانة.. الدفن ليل نهار.. اللي ما يموت من المشنقة.. يموت من الجوع.. حتى في الليل يدفنوا على ضيّ الفنار.. وينما يخطّم طير حمام نبقو نقولوا:





يا طيراً ماشي لجبلْنا..
قول لهلْنا..
رانا في المقرون نزلْنا.
يقولوا لنا الكبار: ماعد عندكم شِي هَل في الجبل.. هَلْكَم كلهم في المقرون.
… بيوت شَعْر متراصّة.. تمتد صفوفاً على مدى البصر.. بَنْدة.. مسوَّع.. شناوير.. سوط.. مشانق.. أسلاك شائكة.. تتخللها عدة أبواب.. كل باب يُفضي إلى مقبرة.. ذلك هو معتقل المقرون.
… في الصباح.. كان أحد البَنْدة ينادي:
⁃رَسْيوني.. رَسْيوني.
⁃وين قدحك يا نوّارة؟
⁃رَسْيوني.. رَسْيوني.
⁃اليوم ثلاثة بس.. مات العيّل؟
⁃مات.
⁃بكرة الرَّسْيوني ينقص.
قالت نوّارة وهي تمدّ له القَدَح:
⁃اليوم ثلاثة.. وبكرة اثنين.. وما ينتهي الشهر نين نريّحوكم من الرسيوني.
⁃الجوع كافر.
⁃بلادنا مليانة كفّار!
⁃لو كان عمر المختار استسلم ريّحكم واستراح.
⁃صدقت.. وتمّا كيفكم.. كلب يمذرح للنصارى.
تشاغل بملء القدح.. ثم قال بلهجة ودودة:
⁃لا تظلمينا.. ما فيه حد يريد الحرب.. حتى الطليان.. من يريد الموت بعيد عن وطنه؟! الحياة حلوة.. شوفي روحك يا نوّارة.. ذابلة.. الحياة حلوة لو كانت تحت حافر حمار.
⁃حتى انت بعد طَّلْينت تعيش تحت حوافر الحمير.
⁃الله غالب.. هذا بسبب عمر المختار.. الواحد امّا يطّلْين والّا يعيش في المعتقل.
قالت وهي تمرر أصابعها داخل الدقيق:
⁃البركة فيكم.. عمر المختار ياكل الزنباع والرينش.. ونحنا في المقرون.. من اللي يعرف الطرق الخفية في الغابة وفي الصحرا.. من اللي يِخْبر الوديان والكوف.. من اللي حرق الزرع والنواجع.. وسمّم لَبْيار والعيون.. الشجرة ما يقطعها إلا فرع منها.. انتو أكثر طلْينة من الطليان!”





إرسال التعليق