بورتريه: يوسف الحصادي، نابغة الشطرنج
أحمد المنصور / دروج.
يوافق 20 يوليو من كل عام: اليوم الدوليّ للشطرنج؛ اللعبة التي سحرت الملايين، لعبة الذكاء والتركيز، فنّ المهارة والتخطيط والمنافسة العادلة. وليتها تدرج ضمن المقرّرات الدراسية.
وفي ليبيا، ظهر العديد من المتميّزين في هذه اللعبة، الذين تحصّلوا على تراتيب متقدّمة في التصنيف العالمي، أمثال: عبد اللطيف شبش، وإبراهيم الشهراني. ولكنّنا اليوم نتحدّث عن موهبة مختلفة، لم يكن مميّزا فيها حصد جوائز محلية وعربية وعالمية وتراتيب عالية غير مسبوقة وحسب؛ بل صغر سنها، واعتمادها على نفسها، وإيمانها بقدراتها.
لعلّكم الآن؛ تعرفون عمّن سيكون هذا البورتريه بطل ليبيا وبطل العرب وبطل أفريقيا: يوسف عبد الباسط الحصادي.
بيانات وبدايات
ولد يوسف الحصادي عام 2005 بمدينة درنة؛ المدينة التي تحتفي بالجمال في كل تفاصيلها (عمره الأن: 17 عاما). كان لوالده (أ، عبد الباسط) دورٌ كبير في توجيه اهتمامه إلى اللعبة.
فتح يوسف عينيه ليجد أمامه والده وأخاه الأكبر يلعبون الشطرنج، الأمر الذي جعله يلعبها معهم، وسرعان ما تفجّرت موهبته الفذّة، وأصبح يتغلّب على أقرانه، بل ومن هم أكبر منه.
علِم والد يوسف، أنّه أمام موهبة فريدة من نوعها، فكان هو الداعم الأوّل والأبرز لولده، فأسهم في تشجيعه وتيسير تنقلاته داخل البلاد قبل أن تفتح البطولات العربية والدولية أبوابها لهما. كما كان نادي «دارنس» النادي الدرناوي الأنيق، هو المؤسّسة الرياضيّة التي احتضنته وما تزال تفتخر به في كل مشاركاته.
أوّل البطولات الدوليّة، كانت “البطولة العربيّة للشطرنج” والتي أقيمت بتونس (عام 2016). كان الحصادي ممثل ليبيا الوحيد في هذه البطولة، وتحصّل فيها باستحقاق على الميداليّة البرونزيّة، بعد فوزه على بطل العرب لعام 2014 العرافي “أمير ظافر”.
هذا الفوز، شدّ أنظار الخبراء والمهتمّين إليه، ليس فقط محليّا، بل وعربيا.
سجل حافل
رغم صغر سنّه، ولكن بالإصرار والتحضير المستمر، استطاع الحصادي تحقيق إنجازات كبيرة. هذه الإنجازات لم تسبق عمره وحسب، بل تجاوزت إنجازات من سبقوه أيضا. من بينها كونه: الأوّل محليّا، والأول عربيّا والأوّل أفريقيّا، في مسابقات مختلفة ضمن فئته العمرية، نال فيها المركز الأول.
كان آخرها:
- محليّا: الميدالية الذهبيّة (المركز الأول) في بطولة شطرنج ليبيا (2022)
- دوليّا: الميدالية الذهبيّة (المركز الأول) في بطولة العرب للشطرنج الشباب، العراق (2021)
وبين هذه الإنجازات سجل حافل من الانتصارات المحلية والعربية والدولية منها:
- 2014: بطولة أرينا 2000 (لتقييم فوق الألفين)؛
- 2016: الميدالية البرونزيّة (المركز الثالث) في البطولة العربيّة للشطرنج، تونس؛
- 2017: المركز الأوّل في بطولة أفريقيا للشطرنج، القاهرة؛
- (2017، 2018): بطولة الإسكندرية الدولية للشطرنج؛
- 2018: المركز الأوّل في بطولة القاهرة للشطرنج السريع؛
- 2020: ذهبيّة (المركز الأوّل) في بطولة العرب للشطرنج، والتي أقيمت عبر الإنترنت، لظروف جائحة كوفيد19.
- 2021: الميدالية الذهبيّة (المركز الأول) في بطولة العرب للشطرنج الشباب، العراق؛
- 2022: الميدالية الذهبيّة (المركز الأول) في بطولة شطرنج ليبيا.
إضافة إلى بطولات أخرى عديدة، مصنفة دوليا، والتي من خلالها يستمر في حصد النقاط، والترقي في ترتيبه الدولي، منها: “بطولة مطروح” مرّات عديدة، “بطولة بنغازي” 2021 وغيرها الكثير.
تكريمات وتحديات
لم يكن غريبا أن شدّ نجاح الحصادي بعض الجهات الرسمية في ليبيا، فقاموا بتكريمه أو الاحتفاء به، أبرزها: السفارة الليبيّة بالقاهرة (2022) وغيرها. ولكن السؤال: هل هذا كافٍ؟
الجواب بلا شكّ: لا. التكريم والاحتفاء الفردي، رغم كونه مهمّا، ومشجّعا إلا أنّه عمليّا غير كاف ولا مجدٍ. فلعبة الشطرنج في ليبيا -إجمالا- ما يزال يُنظر لها بدونية بين بقية الألعاب الأكثر شعبيّة منها. أمّا في حالة الشابّ البطل يوسف الحصادي، فالأمر يحتاج من الدولة أن تستثمر فيه، وتدعمه بشكل مستمر ومستدام، لأنّه يمثل ليبيا قبل كل شيء، ولأنّه يرفع اسمها عاليا وبكل فخر في المحافل العربية والإقليمية والدولية.
هذا الدعم، يجب أن يشمل معسكرات للتدريب، وتوسيع نطاق مشاركاته لتزداد نقاطه ويعلو ترتيبه، ويحتكّ بالحسن ليصبح الأحسن. ومن المحزن أنّ مشاركات الحصادي التي ذكرناها في الأعلى، بعضها على حسابه الشخصي وبجهد ذاتي، وبعضها بدعم من بعض الأقارب ورجال الأعمال، وأحيانا المؤسسات غير الرياضية.
آخر هذه المشاركات، كان سفره إلى مصر (يوليو 2022، أي: قيل نشر هذا التقرير بأيّام) استعدادا لأولمبياد الشطرنج العالمي والذي سيُقام بالهند، فقد كان سفره إلى مصر بجهده الذاتي، ودون دعم من أحد!! وحتى هذه اللحظة لا يوجد برنامج وطنيّ مُستدام لدعم الشباب الموهوب.
خاتمة
تبقى الشطرنج من أكثر الألعاب تميّزا، ومكانة عالميّا. وعلى الرغم من عدم اهتمام الدولة الليبيّة بها بشكل كاف، إضافة إلى الظروف العامة التي تمرّ بها البلاد، إلا أنّ هناك شخصيّات فذّة، مجتهدة، استطاعت أن تتغلّب على هذه الصعاب، وتنجح رغم التحديات، بل، وتتميّز وتصل إلى مراكز أولى وتراتيب عُليا فيها. ويبقى الحلم قائما: متى نرى لعبة الشطرنج ضمن المقرّرات الدراسية في ليبيا؟.
إرسال التعليق