×

قدوات ملهمة.. نجاح لم تصنعه الصدفة

women epowerment

قدوات ملهمة.. نجاح لم تصنعه الصدفة

إعداد / إنتصار البرعصي – دروج.

عزيزة آدم … إلهام وراثي

بإمكان الإنجازات الشخصية أن تتحول إلى قصص ملهمة، لفئات قد تفرض النظرة النمطية للمجتمع لها أدوارا محددة وثابتة، ولتأخذ القدوات من خلال هذه القصص دورها في تغيير المجتمعات.

وتساهم التغيرات السياسية، خصوصا تلك التي تتميّز بالصراع، في فرض تغيير أقوى. عزيزة آدم (36 عاما) والتي فرضت عليها الحرب النزوح من مدينتها سرت عام 2015 والانتقال إلى العيش في مدينة سبها؛ بطلة أول قصصنا.

تعتقد عزيزة أن قوة الانسان تكمن في قدرته على التكيّف. تقول: “رفضتُ أن أعيش حياة النزوح بشكل مأساوي، على الرغم من صعوبة شعور فقد والدتي بعد فترة وجيزة من نزوحنا، ومغادرة منزلي الذي عشت فيه أكثر من 20 عاماً لأجد نفسي في حياة جديدة، لا أعرف من أين أبدأ عيشها.”

Aziza Adam Drooj5 scaled
أ. عزيزة آدم – رائدة الأعمال والمدرّبة

شاركت عزيزة في النشاطات المدنية ملتحقة بالاتحاد النسائي عام 2016 كمتطوعة، ومن ثم كمدربة في مجال الأمن السيبراني، امتداداً لتخصصها الأكاديمي في “برمجة وتحليل النظم.”

في عام 2017 استهدف تدريب نفذته عزيزة في “الأمن السيبراني” حوالي 55 متدرباً، مركزة بشكل أساسي على نقل هذه المعرفة للنساء تحديداً، لدعمهن لحماية أنفسهن.

ثم توسّع نشاطها التدريبي ليضم الأطفال، فأسست عام 2020 مع منظمة ليبوتكس فريقاً -الأول في منطقة الجنوب في سبها- لفئة الناشئين؛ للابتكار في العلوم والتكنولوجيا.

وحظيت فرق الناشئين التي تم تدريبها خلال المشروع بفرصة المشاركة في مسابقة تنظمها “ليبوتكس” ضمن المنافسة الوطنية لصناعة الروبوتات في فئة الناشئين والأطفال لعام 2022.

Aziza Adam Drooj3 scaled

إلهام وراثي

قد تشكل النشأة في الأسرة الفارق الجوهري في التجارب الشخصية، وتؤكد عزيزة الأمر بعيشها في بيت الأم فيه هي القيادية، فتقول: “اكتسبتُ القوة من أمي، التي أصرت أن ننتقل من سبها في التسعينات إلى سرت، للبحث عن حياة أفضل لنا نحن أبناءها، رغم معارضة غالبية المحيطين بها.”

ولعل أهم النجاحات التي حققتها عزيزة فوزها وشريكتها فاطمة نصر في مسابقة مشروع “إنجازي” الذي اطلقته Tatweer Research بالشراكة مع MIT Enterprise Forum, Pan Arab Region لدعم المشاريع الناشئة، بتطبيق “يميلتسويق منتجات الأكل المنزلي للسيدات في ليبيا، والذي فاز ضمن 3 مشاريع على مستوى ليبيا.

عودة عزيزة إلى سرت في نهاية 2017 بعد انتهاء الحرب، شكّل صعوبة إذ لم تعد تجد نفسها في مدينتها التي ولدت فيها، بعد أن شهدت ولادة ثانية في سبها؛ رائدة أعمال ومدربة.

 لتخوض تجربة الاستقلال الكامل بقرارها العودة للعيش في سبها “لم يعد هدفاً من أهدافي إرضاء الناس مادمتُ متأكدة من جدوى ما أقوم به، وأنا ممتنة لدعم أهلي لي ووقوفهم إلى جانب قضيتي، لأكون مؤثرة في المجتمع.”

Kholoud Fallah Drooj
أ. خلود الفلاح – صحفية وشاعرة

خلود الفلاح في رفقة حنونة

ملهمتنا الثانية خلود الفلاح، صحفية وشاعرة، صدر لها 4 دواوين، كما تمت ترجمة بعض نصوصها للفرنسية والألمانية، واختيرت إحدى قصائدها ضمن كتاب “100 شاعرة من العالم العربي: قصائد تنثر الحب والسلام.”

تم ترجمة نصوص خلود للفرنسية ضمن أنطولوجيا “المرأة شاعرة: شاعرات عربيات بالفرنسية” فيما تمت ترجمة نصوصها للألمانية ضمن انطولوجيا “أفريقيا في القصيدة” كما تمت ترجمة قصيدتها “الحرب تفكر في ترك هامش للبهجة” إلى اللغة الألمانية ضمن كتاب “جناحا قلبي المثقل.”

من بين مساهماتها في صحافة الأدب أصدرت خلود عام 2011 جريدة “الرواية” والتي تعنى بالشأن الروائي، في وقت انشغل فيه العالم بالحديث عن الثورات، لكن توقفت “الرواية” لعدم قدرة خلود تحمل تكاليف الطباعة.

كما نظمت مهرجان “ملتقى المبدعات العربيات” العام 2012، بمشاركة روائيات وباحثات وشاعرات من دول عربية، لتنقل صورة مختلفة ومبهجة عن ليبيا بعيدا عن سوداوية الحرب.

Women K Fallah Drooj

عن جذور الكتابة في طفولتها تخبرنا خلود أن هدية النجاح في المدرسة بخلاف الألعاب، الذهاب إلى المكتبة الواقعة بمنطقة “وسط البلاد” القريبة من بيتهم.

باسترجاع هذه الذكريات تقول: “المكتبة أصبحت ركاما من الحجارة بسبب حرب 2014، وكلما مررت من هناك أحاول تحديد مكانها بين الأنقاض فلا أستطيع.”

تخصصت خلود في دراسة الصحافة، وكانت توفر مصروفها لشراء الكتب من المعارض السنوية، فأسهمت قراءاتها المتنوعة في تكوينها المعرفي والإنساني، وبعد التخرج عمِلت في إحدى الصحف الليبية، لتكون الكتابة في الصحافة أول الطريق.

ويبدو أن الحرب كانت منعطفا قاسيا في حياة خلود، التي ظلت تذكرها من حين لآخر فتقول” “للأسف، كل هذه الذكريات ضاعت في تنقلنا من بيت لآخر، بعد أن طال القصف بيتنا، وإلى الآن أحمل هم كتبي وأوراقي كلما ضاق المكان في البيت أو الانتقال لبيت جديد.”

Kholoud Fallah F Drooj

رسائل إلى الله

بدأت خلود مع الكتابة بخواطر فتاة مراهقة ترى الحياة من زاويتها: “كنت أكتب رسائل إلى الله أشكو فيها كل ما يزعجني، ثم أمزق الرسالة قطعا صغيرة وأرميها من الشباك في اتجاه السماء.”

الشعر جاء في مرحلة أخرى لم تستطيع خلود تحديدها، إذ كتبت نصوصا قال عنها الأصدقاء تحمل (نَفَسا شعريا)، فبدأ اهتمامها بالشعر، ليصدر ديوانها الأول “بهجات مارقة” 2004.

تصف خلود الديوان “كانت نصوصه بحسب رؤيتي اليوم بسيطة بلا تعقيدات واستعارات، تيمته امرأة وحيدة خذلها الحب وتعيش على ذكرياته.”

مع ديوانها الثاني “ينتظرونك” 2006 اتضح نضج تجربتها، فيما كتبت ديوانها الثالث “نساء” 2015،  في بنغازي تحت أصوات القنابل والخوف وانقطاع الكهرباء الرهيب.

ولأن للأدب دورا مهما في توثيق الأحداث، ستظل نصوص خلود شاهدا على الحرب، تحدثنا عن نصوصها في تلك الفترة فتقول “في إحدى المرات بقينا 4 أيام من دون كهرباء، ونفذ غاز الطبخ، كنت وأمي نطبخ الطعام على الفحم في فناء البيت، ما حدث دفعني للكتابة عن تجربة مختلفة ولن يعيشها إلا قلة من البشر.”

وجدت خلود الكتابة رفيقة حنونة حين عانت مرارة الفقد. وتحدثنا قائلة: “والدتي الآن في السماء، عشت الذهاب للأطباء، والتعرف على الأدوية المختلفة، والنوم بجانب سريرها في المستشفى، وأخيرا أخبرني الطبيب في يوم كئيب (البقاء لله)، بعد ذهاب الجميع ساد الهدوء وكانت الكتابة رفيقة حنونة.”

Finish drooj

خاتمة

ومن هاتين القصتين، لفتاتين قدمت تجربتهما نجاحا لم تصنعه الصدفة، بل دفعه الإصرار وغذّته التنشئة ودعمه المحيط وتطلب بذل كثير من الجهد؛ نتعلم أن الظروف يجب أن لا تقف عائقا أمام أحلامنا.

إرسال التعليق