×

حمراء أم بيضاء؟ عن بطّيخة الزواج

Marriage KJ 50 scaled

حمراء أم بيضاء؟ عن بطّيخة الزواج

كوثر الجهمي – دروج.

تؤمن المجتمعات الشرقية عامّةً بالخرافات وتخلط بينها وبين الغيبيّات بشكل يبدو مبالغًا فيه أحيانًا، لا بل يتعدّى الأمر مجرّد الإيمان بالغيبيّات إلى الحدّ الذي تعزو فيه أي إخفاق أو مصاب ما بقوة غيبيّة عظيمة.

أحيانًا كثيرة يُطلق على هذه القوة: الحظّ، فتفقد الكلمة ما يتعلّق بها من عوامل التوفيق إلى مساحة لا يكون فيها الإنسان مخيّرًا بل مسيّرًا بالكامل.

ولا يُستثنى الزواج هنا من تعليق مدى نجاحه أو فشله على شمّاعة حظّ المرء، لا بسعيه وتخطيطه وتدبيره، وبأن الزواج يشبه البطيخة (الدلاعة)، التي لا يمكنك معرفة قلبها، أهو أحمر حُلو، أم أبيض صامت، فهل هو كذلك حقًّا؟

Marriage KJ3

المرحلة الأولى: التربيت على البطيخة

يتّبع الليبيون (وربّما غيرهم) أسلوبًا مميّزًا في محاولاتهم الحثيثة لاختيار بطيخة ممتازة، وفي الوقت الذي أؤكد عدم تحققي علميًّا من صحّة هذا الأسلوب المجرّب عمليًّا، فبيت القصيد هنا هو الإسقاط فقط لا غير؛ إذ تشبه هذه العمليّة أسلوب جسّ النبض من الصوت الصادر عن البطيخة حال ضربها برفق، وربما من المناسب تسميتها بـ”الأهليّة“؛ أي أن يتأكّد الشاب أو الفتاة من أهليّته أو أهليّتها للزواج، بنفس مقدار الحرص على التأكد من أهليّة الطرف الآخر.

ففي الوقت الذي يتّبع فيه كثيرٌ من الأهالي منطق”جوّزوه تو يعقل“، تضطر كثير من النساء إلى التعامل مع زوجها كطفل عصيّ يحتاج إلى الترويض، وبالمثل، فإن خوف كثير من الأهالي –أيضًا- من فوات “قطار الزواج” على بناتهنّ يدفع بهم إلى الإسراع بتزويجها من أول طارق يرون فيه الأهليّة للزواج، وإن كانت ابنتهم غير مؤهلة بعد لنفس التجربة.

الزواج ليس مؤسسة إصلاح وتأهيل“، يقولها محمد مازحًا، محمّد البالغ من العمر 23 عامًا مازال طالبًا في كلّيّة الطب، وحين سألته إن كان يرى في نفسه الأهلية أجاب:

“إجابتي تتوقف على الطرف الآخر، فأنا مؤهّل بالتأكيد لمشاركة حياتي وأحلامي وطموحاتي مع امرأة تشاركني وأشاركها نفس الشيء، غير أن الأمر لا يتوقف على التأهيل النفسي، فأنا مثلي مثل أي شاب ليبي في مقتبل حياته، ولا يملك من يعينه مادّيًّا، أرى أنه لا يحقّ لي وصف نفسي بالأهلية التامة مادمتُ غير قادر على إعالة شخص آخر وتوفير إيجار بيت كأدنى حدّ، أحاول التوفيق بين العمل والدراسة ولا يعينني هذا إلا على تحمّل مسؤولية نفسي فقط، وحتى إن تمكّنت من ذلك فلا يمكنني الوثوق بقدرتي على إعالة طفل، ومن المبكر بالنسبة لي التفكير في الزواج”.

يقول أيضًا إنّ كلامه المنطقيّ والعقلاني هذا لا يعني أنه لا يطمح للزواج أو أنه لم يفكّر يومًا بالارتباط بفتاة ما، ولكنه غالبًا ما يفكّر في الخطأ الذي قد يرتكبه إن ارتبط بإحداهنّ وهو بعد لم يضع قدمه على “أرضيّة صلبة” على حدّ وصفه.

Engagment KJ

العيّنة:

وبقدر ما يبدو محمدٌ حريصًا على التأكد من أهليّته قبل الإقدام على هذه الخطوة، كذلك تفعل أمل (26 عامًا، خريجة كليّة العلوم) المخطوبة من أحد أقربائها وقد قارب موعد زفافها، غير أن الفرق بينهما أن أمل تجاوزت مرحلة الأهليّة فهي تعتقد بأنها وخطيبها مؤهلان لخوض هذه الرحلة الجديدة من حياتهما وبناء أسرة جديدة:

“نحن نملك الرغبة والطموح والرؤية ذاتها تقريبًا، كلانا يشعر بالحماس لمشاركة الآخر حياته، وقد هيّاتُ نفسي لكل ما قد يواجهني مستقبلًا متبعةً نصائح من سبق، إضافة إلى اطّلاعي واهتمامي بالقراءة حول هذا الموضوع، وخطيبي شخص متعوّد على المسؤولية، وهو إنسان عصاميّ”.

سألتها إن كانت القراءة أو السؤال وحدهما كفيلين بذلك فأجابتني: “لا طبعًا، لهذا ثمّة فترة خطوبة وتعارف، صحيح أني أعرف خطيبي منذ الصغر بصفته ابن عمّتي، ولكن هذا لا يعني أني أعرفه كزوج محتمل”.

وهذه المرحلة من التجربة تشبه إلى حدّ ما اقتطاع البائع جزءًا من البطيخة للكشف عنها، حين أخبرتها بهذا أجابت ضاحكة:

“نعم، وقد وجدت العينة حمراء، أما باقي الدلاعة؟ فهذا في علم الغيب”، تعود بي هنا للجزئية التي بدأت بها المقال: الغيبيّات، وتساءلتُ عمّا إذا كان من الممكن التعامل مع المفاجآت.

Traditional Clothing

“الحلو ما يكملش”:

خديجة (36 عامًا، طُلقتْ ثم تزوجت مجدّدًا) تقول: “حتى أفضل بطيخة يمكنك الحصول عليها ستحوي بذرًا قد يزعج الآكل”.

ثم تشرح قصدها: “لا أعتقد أن ثمة حياة زوجية مثالية وخالية من المشاكل، ولكن ينبغي أن تكون هناك خطوط حمراء لكل شخص يقرر بناء عليها إنهاء العلاقة بالطرف الآخر، في حالتي، كان العنف خطًّا أحمر إضافة لأسباب أخرى“.

تقول إن الأمر لم يكن محض صدفة، وأن علامات أسباب طلاقها الأول ظهرت منذ البداية ولكنها تجاهلتها، وبأننا بشكل ما قد نكون جزءًا من المشكلة.

بالنسبة لخديجة فإن تجربة غير موفقة واحدة لم تسبب لها أي شكّ في قدرتها على الاختيار مجدّدًا: “الزواج بحاجة للكثير من الصبر، والحوار الخالي من التشنّجات والتأويلات، كلّ المشاكل يمكن حلّها مادامت دون الخطّ الأحمر وفق معايير كلّ منّا”.

ورغم كلّ ما ذُكر، والذي قد يشترك فيه ويتّفق عليه كثير من المقبلين على الزواج أو من المتزوجين، فإن ثمّة حالات يحدث فيها الطلاق بلا أسباب واضحة رغم التهيئة والتعارف قبل الزواج، المُطلقة قد لا تفهم ما حدث ولِمَ حدث؟

كذلك قد يشكو أحدهم من تغير زوجته بعد سنوات من العِشرة الطيبة وطلبها الانفصال وإصرارها عليه، وقد يعيش اثنان حياة خالية من المشاركة الوجدانية، فلا يعدّان كونهما شريكان في السكن لأجل الأولاد الذين لا ذنب لهم لدفع ثمن الجفاء القابع بين أبويهما.

ونحن هنا لسنا بصدد التصديق أو التكذيب، ولكن ينبغي للمرء أن يفكّر بعمق أكبر وبتفصيل أدقّ في حياته واختياراته، فما قد يبدو عاديًّا لأحدهما قد لا يكون للآخر وإن لم يُبدِ ما في نفسه إلا بعد سنوات من الضغائن التي تراكمتْ في الظُلمة والصمت.

وختامًا لا يسعنا هنا أن ندّعي أن نجاح الزواج من فشله أمر متروك برمّته على كاهل الشريكين، او على أحدهما؛ إذ للتوفيق دورٌ أساسيّ، غير أنه ما من توفيق دون سعي، فإن حضر السعيُ طلبنا التوفيق ورجوناه.

إرسال التعليق