×

أزمة المناخ وصيفنا الساخن

libya climate change3

أزمة المناخ وصيفنا الساخن

ريما حميدان – دروج.

حفظنا من مناهج المدرسة أن ليبيا تقع في مناخ حارٍّ جاف صيفاً، ودافئ ممطر شتاءً، وهو ما يبدو مناخاً جميلاً معتدلاً -ومع ذلك- متناقضاً مع مناخ الساحل الرفيع والصحراء الشاسعة. وهي بلد يعيش معظم سكانه بين بحرين، بحر من رمال الصحراء الكبرى وبحر متوسط دافئ لثلاث قارات تتشارك تقلّبات المناخ المتوسطي “Mediterranean.

هذا المناخ المتوسطي يمر بأزمة المناخ، كما تمر بها معظم دول العالم. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديداً منطقة ساخنة لتقلبات التغير المناخي نظرا لحدة الجفاف وندرة المياه وعدة عوامل مناخية أخرى.

يكون الطقس دوماً هو ما نحصل عليه من تقلّبات معتادة، والمناخ هو ما يتم توقعه لفترات زمنية أطول نسبياً ومحدودة بالمنطقة أو الإقليم. و يتحوّل الوضع إلى “تغير في المناخ” عندما يتم النظر إلى متوسطات المؤشرات الجوية لمدة زمنية معينة، ويلاحظ تكرار في تغيرات حالات الطقس مقارنة بالمتوسط أو الأرقام المعتادة. 

كما يرتبط التغير المناخي مباشرة بالاحتباس الحراري، وهو ارتفاع متوسط درجات الحرارة قرب سطح الأرض. ويحدث الاحتباس الحراري كنتيجة لزيادة معدلات الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان) في الغلاف الجوي. أدت الملاحظات العلمية إلى التأكيد على أنّ النشاط البشري من صناعات قائمة على الوقود الأحفوري وغيرها من بواعث الغازات الدفيئة؛ هي السبب المباشر لزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري. وتعتبر موجات الحر هي إحدى الآثار الرئيسية للتغير المناخي التي تؤثر بالمنطقة.

libya climate change

صيف حارٌّ استثنائيّ

شهد سكان الساحل الليبي في يونيو 2021 موعداً مبكراً مع موسم الصيف على غير العادة. إذ غالباً ما تشهد المنطقة ذروة درجات الحرارة بين يوليو وأغسطس. غير أنّ موجة حرّ هي الأطول من نوعها خلال العشر سنوات الماضية ضربت معظم المدن الليبية، وأصبح السكان في حالة من الضيق العام مع زيادة انقطاع الكهرباء بارتفاع الحاجة لاستخدام التكييف المنزلي.

قلق وتبرم من حالة الطقس وانتظار لأيام طويلة حارة لدخول الكتل الهوائية الباردة التي صار السكان ينتظرونها كما ينتظرون خبراً سعيداً. ووصف موقع Observatory التابع لوكالة ناسا موجة الحر التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام الماضي بأنها: جاءت قبل شهر من موسم الحر المعتاد.

لعشرة أيام، كان الجفاف وشدة الحرارة التي تصل إلى 42 مئوية خلال النهار، يعمّ البيوت التي خرجت من بين يديها الحيل للتعامل مع الحرّ غير المتوقع. الكثيرون كانوا يلومون ثقالة أيامهم ولياليهم على “الجوّ” أي الطقس كما يسميه الليبيون.

غير أنّ الكثيرين يغيب عليهم أن ما يحدث من حولنا من تغيّرات يرجع بشكل كبير لتغير حالة المناخ، وخاصة في منطقة البحر المتوسط. إذ حذّر الخبراء منذ أبريل من عام 2021 من موجة الحرّ القادمة للبحر الأبيض المتوسط، التي شكّلت التأثير الأكبر في الدول غير القادرة على التكيّف مع تغيرات المناخ، وهي دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط.

Hotness Libya

ليبيا نقطة ساخنة لأزمة المناخ

تشير IPCC أو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ إلى أنّ موجات الحر الحرجة كانت تحدث مرة كل خمسين عاماً، بينما الآن ستحدث مرة كل عشرة سنوات. تحدث موجة الحر بسبب ظاهرة “القبة الحرارية” التي تنتج الضغط العالي في الغلاف الجوي الأعلى والأوسط، مسبّبة في دفع الهواء الساخن لسطح الأرض، فيسخن ويرتفع ثم يعود مجددا للسطح، مما يزيد من درجة الحرارة الجوية، أي حالة الطقس ومتوسط درجات الحرارة للموسم أو على مدى السنوات الماضية: المناخ. 

ووفقاً لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة التغير المناخي العالمي لعام 2021 فإن موجات الحر التي حدثت لعام 2021 حطمت الأرقام القياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأن يونيو 2021 كان دافئاً بشكل استثنائي خصوصاً في ليبيا. وقد أشارت جهات محلية إلى أنّ العديد من المدن الليبية وصلت درجة الحرارة فيها لمعدلات قصوى مثل زوارة التي وصلت لدرجة 47.7 مئوية في يونيو.

libya climate change4

هل نستعد لصيف ساخن آخر؟

يقول البروفيسور جورجي ستينشيكوف في حوار مع موقع “للعلم” إلى أنه من المثير للقلق أن “الاستمرار في نهج الأعمال المُتَّبع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون محاولة للتخفيف من الآثار الناجمة عنه سيؤدي إلى تعرُّض المنطقة لاحترارٍ جوي بمعدلٍ يقترب من سبع درجاتٍ مئوية بحلول نهاية هذا القرن”. وهو ما يضع توقعات باستمرارية ظواهر الطقس المتطرفة، مثل: موجات الحر والعواصف الرملية وتأثيراتها على جودة الحياة.

عند البحث في العديد من التقارير الدولية فإنه يصعب الحصول على بيانات واضحة حول تأثيرات التغير المناخي في ليبيا. ويأتي هذا بسبب غياب تجميع البيانات وأجهزة القياس والرصد التي تساعد على التنبؤ بمخاطر أزمة المناخ، خاصة مع اقترابنا من صيف آخر لم تحل فيه أزمة انقطاع الكهرباء وهو ما يعني مزيداً من المعاناة للسكان من تأثيرات موجات الحر المتوقعة تكرارها.

وبينما نحن نقبل على فصل الصيف وتجدد أزمة انقطاع الكهرباء وموسم موجات الحر، هل تضع الحكومة أولوية لتأثيرات تغير المناخ لتحسين جودة الحياة؟!!

إرسال التعليق