التغير المناخي في 2022: معاً نحو التنفيذ
بقلم / ريما إبراهيم
العام الماضي، وفي مدينة غلاسكو الأسكتلندية، التقت 120 دولة، والعديد من الهيئات والمؤسسات المعنية بالتغير المناخي؛ ليعلنوا في لقائهم عن “حالة الاستنفار والقلق البالغ من أن الأنشطة البشرية التي تسببت في ارتفاع درجة حرارة حوالي 1.1 درجة مئوية حتى الآن”.
اتفقت الدول في نهاية اللقاء على التخلص التدريجي من سياسات استخدام الفحم كمصدر للطاقة، وسياسات دعم الوقود الأحفوري بحلول عام 2030.
ولكن، بعد قربنا من مرور عام على هذه القرارات، هل تتجه سياسات هذه الدول اليوم لتنفيذ وعودها؟ وأين نجد ليبيا على خارطة أزمة مناخ تعد بظواهر بيئية حادة؟
مؤتمر غلاسكو أو COP26 هو الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف للدول المنخرطة في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغيّر المناخي. يتم خلال مؤتمر الأطراف COP سنوياً استعراض النتائج والتقدم للأطراف لتنفيذ الاتفاقية أو متابعة أي التزامات قانونية ومؤسساتية وإدارية لمواجهة تغير المناخ. ويعتبر هذا المؤتمر هو أعلى هيئة على مستوى العالم لصنع القرار فيما يتعلّق بأزمة المناخ العالمية.
هذا العام، يُعقد المؤتمر في جمهورية مصر العربية في مدينة شرم الشيخ في دورته السابعة والعشرين. يُتوقع من خلال مؤتمر الأطراف COP27 أن يتم مراجعة تنفيذ الاتفاقيات والقرارات التي نتجت عن الدورة الماضية، حيث التزم فيها الأطراف بتنفيذ سياسات وخطط تحُدُّ من أزمة التغير المناخي.
ويهدف مؤتمر الأطراف لتقليل الانبعاثات للحفاظ على ارتفاع متوسط درجة حرارة الكوكب ضمن 1.5 درجة مئوية، التي يشير العلماء إلى أنها ستمنع من كارثة مناخية. الوضع الحالي للانبعاثات-دون تنفيذ الالتزامات في مؤتمر الأطراف- سيؤدي لزيادة الاحتباس الحرارة لدرجة حرارة 2.4 مئوية.
أزمات 2022 الاقتصادية تقف أمام التنفيذ
من التحديات التي تواجه تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ هذا العام هو مدى التزام الأطراف بتنفيذ “ميثاق غلاسكو للمناخ” الذي نتج عن مؤتمر الأطراف العام الماضي.
تضع هذه الاتفاقية العديد من الدول في تحدٍّ صعب لتنفيذها، إذ بعد الحرب على أوكرانيا اتجهت العديد من الدول إلى قطع استيراد الغاز الروسي، وبالتالي البحث عن بدائل له، الأمر الذي أدى لتوسيع خطط البنية التحتية وإنتاج الغاز الاحفوري.
وذلك في الوقت الذي كان على دول الأطراف في مؤتمر المناخ أن تلتزم هذا العام بالتخلص التدريجي من الوقود الاحفوري (الفحم، النفط الخام، والغاز الطبيعي).
من جهة أخرى، يتمثل التحدي للدول الغنية لتنفيذ ميثاق غلاسكو في توفير التمويل المطلوب لدعم الدول النامية في التكيف وتجنب تأثيرات تغير المناخ. فقد جاء مؤتمر الأطراف COP26 العام الماضي بنتائج محبطة من عدم قدرة الدول الغنية على الالتزام بوعودها من أجل تمويل المناخ، وهو توفير 100 مليار دولار سنوياً للبلدان النامية لتمويل جهودها في مكافحة تغير المناخ.
أتى عام 2022 بتغيّرات اقتصادية وسياسية لم تكن في الحسبان، فلأي مدى يمكن للأطراف أن تنفذ وعود ما مضى؟
التوقعات لمؤتمر الأطراف COP27
مصر هي ثالث دولة عربية تترأس مؤتمر الأطراف، ورابع دولة من أفريقيا وهو ما يمنحها مكانة مهمة في كدولة عربية وأفريقية لتسليط الضوء على آثار التغير المناخي في الأقاليم النامية. ووفقاً لوزيرة البيئة المصرية” ياسمين فؤاد “ستحرص مصر على تحقيق مصالح الدول النامية والأفريقية والعربية خاصة. وتضع مصر شعار”معاً نحو التنفيذ“ لمؤتمر هذا العام، وتسعى من خلاله لحثّ الدول على تحديث خطط مساهماتها الوطنية للإبقاء على درجة حرارة الأرض 1.5 مئوية.
تضع التحديات الاقتصادية اليوم، الناجمة عن الحرب في أوكرانيا وتأثيرات جائحة كوفيد-١٩ ضغوطاً جديدة على أزمات الطاقة والغذاء، وتعتبر الدول النامية أكثر تأثراً بهذه الأزمات. وفي ظل هذه التحديات تكون الأولوية في الضغط على البلدان المتقدمة في الوفاء بالتزاماتها في تمويل الدول النامية للتكيّف مع التغير المناخي وتقليل الاعتماد على الوقود الاحفوري.
خصوصاً وأنّ ضعف الاستثمار في للطاقات البديلة خلال السنوات الماضية ساهم في تعزيز التهديد الأمني في قطاع الطاقة للدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري هذا العام نتيجة الحرب على أوكرانيا.
ولكون خطط قطع الانبعاثات الحالية وفقاً لمؤتمر غلاسكو COP26 لا تناسب هدف الـ1.5 درجة مئوية، فمن المتوقع خلال القمة السنوية هذا العام في مصر COP27 أن يتم الضغط لتقديم خطط أكثر تأثيراً.
كما يُتوقع أن تضغط الدول النامية للمزيد من التمويل الدولي من الدول المتقدمة للتعامل مع أخطار التغير المناخي التي تواجهها. إذ أنه في القمة السابعة والعشرين في مصر يُتوقع أن تحمل الدول المتقدمة العشرين G20 -ذات الحصة الأكبر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون- تقدماً أكبر للالتزام بتقليل الانبعاثات للوصول لهدف 1.5 درجة مئوية. ولكن وفقاً لبعض التقارير، فهي لم تحقق أي تقدم.
ليبيا على خارطة التغير المناخي
نرى تأثيرات التغير المناخي في ليبيا من خلال الجفاف وفقدان المساحات الخضراء بسبب ندرة المياه، ونراه أيضاً من خلال الظواهر المناخية مثل موجات الحر الحادة، العواصف الرملية، وضعف نسبة هطول الأمطار.
تشير دراسة نُشرت في مجلة npj لعلوم المناخ والغلاف الجوي عام 2021 إلى أنّ الوضع الحالي لانبعاثات غازات الدفيئة سيؤدي إلى موجات حر خارقة ومتطرفة للغاية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في النصف الثاني من القرن الحالي.
تقدر الدراسة إلى أنّ موجات الحر قد تصل لدرجات حرارة حتى 56 مئوية وأكثر! كما قد تستمر لأسابيع. وتعتبر موجات الحر إحدى نتائج الاحتباس الحراري وتشكل خطراً حقيقياً على جودة حياة السكان.
وفق آخر بيانات اللجنة الوطنية لمقاومة التصحر ووقف الزحف الصحراوي، فإنّ ليبيا تمر منذ سنوات بجفاف جزئي يؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي والحيواني ويفاقم من التصحر تحت تأثيرات تغير المناخ وندرة المياه.
تعمل اللجنة على إعداد استراتيجية وطنية لمواجهة الجفاف وتقدم توصيات للوزارات للتعامل معه، وذلك في غياب سياسات لمواجهة آثار التغير المناخي وندرة المياه والتصحر. يعكس غياب السياسات فيما يتعلّق بأزمة المناخ في ليبيا ضعفاً في الإرادة السياسية وفي صنع القرار لمواجهة الأزمة الحالية وتبعاتها للسنوات القادمة.
يدعو غياب سياسات مواجهة أزمة المناخ إلى التساؤل عمّا ستشارك به الدولة الليبية من تحديثات لتنفيذ وعودها للعام الماضي، والسياسات التي ستتبعها للعام القادم للحد من تأثيرات تغير المناخ، خصوصاً وأنها ما زالت تعاني من أزمة في الطاقة حتى مع بدء تنفيذ مشاريعها في الاستثمار في الطاقات المتجددة.
وعلى فرض أنّ الدول الغنية ستفي بالتزاماتها في تمويل البلدان النامية:
- فما هي السياسات البيئية والاقتصادية التي ستبني عليها الحكومات الليبية استراتيجيتها الوطنية وخططها وميزانياتها؟
- وكيف يمكن لليبيا أن تواجه آثار التغيّر المناخي وانعكاساته على سوء أوضاع المعيشة في ظل الانقسام السياسي؟
- وهل نرى حكومة الوحدة الوطنية تضيف المزيد من الوعود غير المبنية على سياسات واعية بأزمة المناخ على عاتقها مؤتمر هذا العام؟
2 تعليقان