غياب ثقافة الاحتجاج عن الساحات الليبية
بمتابعة بسيطة لمجريات الأمور في البلاد، نلاحظ أننا لم نشهد -منذ فترة طويلة- احتجاجات أو تظاهرات شعبية مؤثرة، بينما لا يكاد يمر يوم واحد دون ظهور قضية فساد جديدة، أو تعرض مواطنين لانتهاكات، ناهيك عن المؤشرات اللامحدودة لتردي الأوضاع المعيشية.
قد يُرجِع البعض هذا التراجع الملحوظ في تنظيم وقفات الاحتجاج والتظاهر السلمي إلى فقدان ثقة الناس في الطبقة السياسية، وشعور المواطنين بالإحباط وعدم الجدوى، حيث كونت الأجهزة النافذة في ليبيا مهارات منقطعة النظير في تلاعبها بالمطالب الشعبية، وتحويلها إلى انقسام جهوي أو شعبوي، عوضًا عن مطالب موحدة تمس جميع الليبيين. كما أدى غياب الوعي العام إلى سقوط متكرر وممل في ذات الأفخاخ كل مرة.
كذلك، قل الإيمان الشعبي بدور ثقافة الاحتجاج وضرورة اللجوء إليها لإسماع صوت المواطن سلمياً. بل تفاقم تأثير ذلك، وازدادت قابلية عامة الناس للاستبداد والخضوع للأمر الواقع بسبب سياسة كم الأفواه والتضييق المُمارسة على شتى الحركات المدنية، والأطراف التي قد تدعو لممارسة حق الاحتجاج، للتعبير عن المطالب ورفض المساس بالحقوق، وغيرها من القضايا، خاصة المتعلقة بالصالح العام.
من جهة أخرى، هناك تصوّر سائد بأن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة افتراضية لإيصال صوت المواطنين، ويرى كثيرون أنها حلّت -جزئياً- محلّ التظاهر والاحتجاج على أرض الواقع، ما قد يفسّر الاهتمام الشديد من قبل الأجهزة الأمنية في كل جهات ليبيا، وأجسامها السياسية المترامية على ساحلها بما يجري على هذه المنصات. وتنامي حملة القمع والتقييد على حرية التعبير عبرها، من خلال إصدار قوانين تقتضي ملاحقة الأشخاص استناداً على مصطلحات فضفاضة، تفتقد أساسيات تعريف الجريمة والتجاوز المقصود، وتزيد من هامش تلفيق التهم.
إرسال التعليق