×

الصحافةُ ليست جريمة

close up man reading newspaper 1

الصحافةُ ليست جريمة

استناداً إلى تقرير صدر يوم 9 ديسمبر 2021 بموقع (Committee to Protect Journalists CPJ- هيئة حماية الصحافيين) و مقرها بمدينة نيويورك، بالولايات المتحدة الأمريكية، لقيَ 27 صحافياً، على الأقل، حتفهم في العام 2021. التقريرُ من إعداد جنيفر دنهام، التي تشغل منصب مدير التحرير. و من خلاله، أوضحت أن العام المذكور يعدُّ الأسوأ، من بين كل الأعوام الماضية، في الاعتداءات على الصحفيين. وأن دولتي المكسيك والهند تحتلان رأس القائمة في تلك الاعتداءات. العددُ المذكور أعلاه ،ازداد ثلاثةً بعد تاريخ نشر التقرير. وإليكم التفاصيل:

 

 21 منهم أُغتيلوا انتقاماً على تقارير نشروها. وأربعة آخرون قتلوا في مناطق نزاع. واثنان فقدا حياتهما لدى قيامهما بتغطية مظاهرات واحتجاجات. وتواصل الهيئة التحقيق في مقتل 18 صحافياً آخرين، للتحقق ما إذا كان قتلهم على صلة بعملهم الصحفي. إلى جانب القتلى، 293 صحفي أودعوا السجون.  ومقارنة بالعام 2020، ازداد عدد المسجونين 20.

 50 منهم استضافتهم  سجون الحكومة الصينية. والعدد يمثل أعلى نسبة. الحزب الشيوعي الصيني، مثل نظيره سابقاً، الحزب الشيوعي السوفييتي، وغيرهم من الأنظمة الشمولية، لكي تكتسب المعلومة مصداقيتها من الحقيقة والمشروعية، لابد أن تُمهر بختم الحزب، وتنشر عبر أبواقه الإعلامية. وهذا لا يعني أن ما يسمى بالعالم الديمقراطي بعيد عن هذه التهمة. نظرةٌ قصيرةٌ على قضية الناشط جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس، والمصير المحزن الذي آل إليه، توضح تفاصيل الصورة.

في تعليقه على تزايد أعداد المسجونين من الصحفيين، قال مدير الهيئة إن:” الرقم يعكس تحديين غير منفصمين. تصميم الحكومات على التحكم في المعلومات وإدارتها. وأنها أكثر جرأة  في جهودها للقيام بذلك.” السؤال: متى تقتنع تلك الحكومات أن الصحافة ليس جريمة؟

أنت صحفي إذن أنت هدف

مرحباً بكم في عالم مهنة المتاعب، حيث المقولة السائدة و المشهورة : “أنت صحفي إذن فأنت هدف ” موشومة  على جباه من اختاروا

العمل في تلك المهنة، في مختلف بلدان العالم. تلك المهنة القاسية، للمفارقة، يسمونها  في الغرب السلطة الرابعة. لكنها سلطةٌ من دون أظافر وأنياب. ومحاربة من قبل السلطات الثلاث الأخرى. ربما لذلك السبب نحن في حاجة للاحتفاء  بيوم الصحافة العالمي. فقط، للتذكير باولئك الجنود المجهولين، الذين يضعون أعناقهم على خطوط الموت، مقابل الكشف على الحقيقة، وعلى استعداد لدفع أثمان مكلفة، تجعلنا، ونحن في حماية بيوتنا أو مكاتبنا المريحة، ننكمش خجلاً من عجزنا على تقديم الحماية لهم، لقاء ما يقدمونه لنا من خدمات. لكننا، لحسن الحظ، لا نتردد لحظة واحدة  في رفع  قبعاتنا  لهم احتراماً وتقديراً وتوقيراً.

الحربُ على الصحفيين ومطاردتهم وقتلهم، في واقع الأمر، حربٌ ضد  كشف الحقيقة، أي ما يحدث وراء الكواليس، و خلف أبواب مغلقة من جرائم، على أعلى المستويات. ومن دون ريب، في عالم، بمراتبه العليا والسفلى،  يسوده التضليل الفساد والنهب والرياء والنفاق والكذب والفجور، من الصعوبة بمكان على الحقيقة أن تجد لها موطأ قدم. وحال الصحفي في عمله ربما، إلى حدّ ما، في رأيي، يشبه حال الفيلسوف اليوناني ديوجين، الذي كان يسير في شوارع أثينا،  في وضوح النهار، حاملاً في يده مصباحا مضيئاً، بحثاً على الحقيقة، مما كان يجعله عرضةً لسخرية العَوام. ألا يعني ذلك ، أن الحقيقة، منذ سالف العصور، إما غائبة أو مُغيّبة؟ لنتجاهل البُعد الفلسفي في السؤال، ونركز على بعده الواقعي، الذي نعرف الحد الأدني من تفاصيله،  لصلته بالحقيقة ، ودور الباحثين عنها، وما يواجهونه من مشاق ومتاعب وعراقيل تضعها أمامهم الحكومات والمنظمات الاجرامية.

من الأفضل ألا نذهب بعيداً، ومن الأجدى أن نبدأ من بلادنا، وما جاورها من بلدان. ولتكن محطتنا الأولى ما حدث من اعتداءات مشينة على صحفيين ليبيين، يقومون بأداء واجباتهم في تغطية أحداث محلّية. آخرها، تعرّضُ طاقم صحفي يتبع قناة تلفزية ليبية بالاعتداء( عيني عينك وقدام الله وخلقه) خلال حضورهم لتغطية مؤتمر صحفي لرئيس الحكومة. القناة اعتُبرت، من جانب بعض المشرفين على المؤتمر، مناوئة. وبالتالي، منحَ المعتدون أنفسهم مشروعية حقّ الاعتداء على من يمثلونها.  ومن منّا لا يتذكر النهاية المفجعة للصحفية المالطية دافني كيروانا غاليسيا  في شهر أكتوبر 2017 ؟ الصحفية المذكورة  كشفت تقاريرها الاستقصائية الستار عن عمليات تهريب للنفط الليبي بحراً إلى مالطا، تقوم به شبكة مكوّنة من مجرمين ليبيين و مالطيين، وتضم  رجال أعمال وسياسيين يشغلون مناصب عليا في الحكومة المالطية.   

يقول مثل شعبي:” يدور الشعير ويرد لقلب الرحى.” والمعنى، يبدو أننا سنظل، مثل حبات الشعير،  ندور وندور، وفي النهاية نجد أنفسنا مضطرين للعودة للتأمل والتدبر في تلك المقولة/ القاعدة أعلاه:” أنتَ صحفي، إذاً فأنتَ هدف.”

السؤال مرة أخرى: من ياتُرى يقنع الحكومات، شرقاً وغرباً، أن الصحافة ليست جريمة؟

 

 
 
 
close up man reading newspaper
 

جمعة ابوكليب

إرسال التعليق