×

الهجرة غير النظامية في ليبيا، انتهاكات ومؤشرات

Immigration Irrigular Drooj

الهجرة غير النظامية في ليبيا، انتهاكات ومؤشرات

أ. عبد الكريم محمّد – دروج.

عند زيارتك مراكز الإيواء (الاحتجاز) التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، لا تحتاج تقصيّا ولا مجهودا لتقف على الأوضاع المعيشيّة السيئة، والإهمال المتعمّد، وترى معالم الخوف والضيق البادية على الموجودين هناك، حتى يُخيّل إليك أنّ عيونهم تصرخ من غير كلمات طلبا للنجدة.

لذلك، لم يكن غريبا أن نقرأ منذ أسابيع (6 يونيو) نبأ شنق مهاجر سودانيّ الجنسيّة (19 عاما) في إحدى مراكز الإيواء، ولم تُنشر حتى الآن -كما هو متوقع- أيّ نتائج تحقيقات حول الواقعة.

في المقابل، كان هناك اعتصامٌ من مئات المهاجرين، المطالبين بأبسط حقوقهم، متجمهرين أمام المركز النهاري (CDC) التابع لمكتب المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين بطرابلس، والتي أعلنت عن إقفاله لاحقا. هذا الاعتصام، استمرّ قرابة شهرين دون استجابة، قبل أن ينتهي بالقوة، بتدخل أمنيّ عنيف، أسفر عن إصابات بليغة، واحتجاز المعتصمين.

Immigration Irrigular Drooj4

إحصائيّات مخيفة، وتقارير مفزعة

لا توجد -كما هو الحال إجمالا- إحصائيّات وطنيّة دقيقة عن الهجرة غير النظامية في ليبيا، ولكن توجد تقاريرُ إحصائيّة وميدانيّة، من منظمات محليّة وإقليميّة ودوليّة مهتمّة بالملف، إلا أنّ أكبر عيوبها عدم إلمامها أو تقصّيها، إذ يصعب عليها جمع البيانات بحريّة وعرضها بأريحية.

ومع هذا، فإنّ ما يُنشر عن الانتهاكات تجاه المهاجرين في ليبيا مفزع، سواء داخل مراكز الاحتجاز أو خارجها. انتهاكات جسديّة ونفسيّة، واعتداءت جنسيّة، وعمل من غير أجرة، وابتزاز ممنهج، وحرمان من حقوق أساسية، وصولا إلى مقابر جماعيّة، أشارت إلى ذلك تقارير عديدة، منها تقرير مفصّل، للجنة تقصٍّ أممية، نشر بتاريخ  28 مارس المنصرم.

في العام الماضي (2021) فقط، كانت حصيلة المهاجرين الذين أعيدوا من البحر إلى ليبيا -عبر جهاز خفر السواحل الليبي- أكثر من 32 ألف مهاجر، حسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة (يناير 2021). ورغم أنّ الحصيلة كبيرة، إلا أنّ هذه الإحصائيّة لا تشمل الذي عبروا المتوسّط، أو المفقودين، أو المتوفين، أو المهاجرين الذين عادوا إلى ليبيا من غير ضبط السلطات البحرية الليبية.

IOM Tweet Drooj

جغرافيا الهجرة

تعتبر ليبيا للمهاجرين، محطة ممرّ لا دار مقرّ؛ بمعنى أنّها ليست أكثر من محطّة عبور، يصل إليها المهاجر، ويبدأ فيها رحلة التجهز لعبور البحر قاصدا أوروبّا، ابتداء من عبور الصحراء الليبية وصولا إلى مدن الساحل، والتريّث قليلا فيها، حتى يجمع ماله، وينسّق أمره، ثمّ الارتحال على قوارب الموت.

للوهلة الأولى، يبدو توافد المهاجرين إلى ليبيا عشوائيّا وسط اتساع جغرافيّتها وامتداد حدودها التي تتجاوز 4300كم2، ولكنّ ذلك غير صحيح إطلاقا. هناك منافذ دقيقة وممرّات معلومة ومسارب معروفة، وخطوط سير واضحة، في عمق الصحراء، إضافة إلى محطات وصول محدّدة على امتداد مدن الساحل الليبيّ.

هذه المسارب تمثّل في أساسها ممرّات تاريخيّة، اتخذت لاحقا للتهريب، ليست فقط للبشر، ولكن لكلّ ما يصلح تهريبه من سلع وسلاح ومخدّرات وغيرها. وذلك من خلال شبكات تهريب، منظّمة، ونقاط وصول موزّعة، تسلّم كل نقطة المهاجرين للمحطّة التي بعدها.

يعتبر الجنوب الغربي لليبيا (فزّان) هو البوّابة الأكبر لتوافد المهاجرين، من دول الجوار (أفريقيا جنوب الصحراء). من أسباب ذلك: هشاشة الوضع الأمني، الامتداد الاجتماعي، الصراع الإثني، قضايا الجنسية، مصدر دخل لأفراد عديدين في ظل الوضع المعيشي الأردأ في ليبيا، وغير ذلك.

في مدن الساحل (مصراتة – القره بوللي- صبراتة- زوارة وغيرها) الوضع مختلف؛ لأنّها ليست محطة مرور فقط، بل محطة تهيّؤ واستعداد، بعد أن تستقبل المهاجرين من نقاط الدخول (مثلا: بني وليد وغريان).

Immigration Irrigular Drooj77

هجرة الليبيّين، مؤشر جديد

إلى وقتٍ قريب، كان الحديث عن الهجرة من ليبيا إلى أوروبا، مقتصرا على هجرة غير الليبيّين. أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع مصطلح “الهجرة غير الشرعيّة” تصوّر جنسيّات الدول المجاورة، من جوار جنوب الصحراء.

الآن، الوضع اختلف. الليبيّون أصبحوا مهاجرين غير نظاميّين أيضا. هناك حالات كثيرة -لا وجود لإحصائية رسمية- كان فيها الليبيّون هم المهاجرين. وهناك رحلات في قوارب الموت تخصّص لليبيّين فقط.

هذه الهجرة -أي: هجرة الليبيّين- تعتبر مؤشرا جديدا على خارطة الهجرة غير النظامية. وتشير في الوقت نفسه، إلى وجود تغيّرات أسفرت عن هذه الظاهرة. ليس بعيدا عنها: تردّي المعيشة، وانسداد الأمل، والشعور بالضياع -خصيصا لدى الشباب الذين يشكلون النسبة الأكبر. هذا الشعور، يجعله يغامر بحياته في قوارب الموت، مفضلا ذلك عن البقاء في “المقبرة” كما يصفها أحد الشباب.

Immigration Irrigular Drooj3

خاتمة

يعدّ ملف الهجرة غير النظامية في ليبيا، من الملفات المتشابكة والحسّاسة، فهو لا يشمل الجانبين القانوني والإنساني وحسب، بل له أبعاد اقتصاديّة (العمالة مثالا) واجتماعية (نظرة الناس) في ظلّ عدم الاستقرار.

ويبقى العامل الوحيد الثابت في معادلة الهجرة غير النظامية في ليبيا، أنّ حقوق الإنسان مفقودة، وكرامته مهدورة، ومعيشته سيئة، في دولة تعتبر عاصمتها ثالث أسوأ المدن معيشة في العالم لعام 2022م.

تعليق واحد

إرسال التعليق