المهاجرون بين التهريب والاتجار بالبشر
عبد الكريم محمد / دروج – خاص.
شهر نوفمبر 2017 استيقظ الليبيّون على تقرير نشرته قناة CNN الأمريكيّة، يوثّق عمليّة بيع مهاجرين غير نظاميّين، وفق تعبير التقرير، الذي حمل عنوان “عودة العبودية في ليبيا” (طالع التقرير هنا).
وبغض النظر، عن الأسئلة والشكوك الكثيرة التي تحوم حول هذا التقرير بالذات، وطريقة عرضه والنتائج التي يوحي بها، إلّا أنّه فتح أذهان الليبيّين على جريمة إنسانية بشعة، لم يكن الكثير من منهم على دراية بها؛ وهي: تهريب المهاجرين، والاتجار بالبشر، وما يصاحبها من انتهاكات.
مدخل قانوني
ترتبط قضيّة تهريب البشر بقضيّة الهجرة غير النظاميّة، لأنّ مآلهما واحد، ولأنّ طرفيها هما (المهاجر & المهرّب). وفي الحالة الليبيّة مقصد الهجرة هو عبور المتوسط والهرب إلى جنّة أوروبّا. كما يصفها أحد المهاجرين المحتجزين في إحدى مراكز الإيواء – الخمس.
ويبدي بعض الليبيّين استهجانا من مصطلح “تهريب البشر” جهلا بتعريفه، كما كانوا قبلا يعترضون على تسمية انتفاضة فبراير 2011 بالحرب الأهليّة. لذلك، قبل الحديث عن تهريب البشر في ليبيا، من المهم أن نوضّح تعريفه وحدوده.
يعرّف تهريب البشر بأنّه: “تسهيل عبور أو محاولة عبور أو دخول غير قانوني لشخص أو عدة اشخاص عبر حدود دولية مقابل جزاء مادي أو منفعة“. ووفق هذا التعريف لا بدّ من توافر شرطين أساسين:
- عبور حدود دوليّة: وفي حالة ليبيا، يكون عادة من دول المصدر، وتأتي النيجر (حدود ليبيا من الجنوب الغربي) والسودان (حدود ليبيا من الجنوب الشرقي) على رأس هذه المنافذ الوسيطة.
- دخول غير قانوني: بمعنى أنّ دخوله لا يمرّ عبر المنافذ القانونيّة، ومن غير تأشيرة دخول، ولا ختم حدوديّ، ولا تأمين/كشف صحّي. أيّ أنّ وجوده على الدولة من غير علمها ولا موافقتها (بمعنى أنّه في نظر الدولة ليس مواطنا ولا مقيما ولا سائحا).
وهنا تواجهنا أبرز مشكلة في قضيّة “تهريب البشر” أنّه عمل غير قانوني بالأساس، سواء للضحيّة أم لجميع المشاركين فيها، وجريمة يعاقب عليها القانون المحلي والدولي. وعلى كلّ حال، فإنّ هذ الوضع غير القانونيّ، لا يعني أبدا، الحطّ من كرامة المهاجر غير النظاميّ أو الإساءة إليه أو تبرير تعرّضه لأيّ شكل من أشكال العنف أو التمييز.
تهريب البشر VS الاتجار بالبشر
هناك مصطلح آخر، يقترب كثيرا من «تهريب البشر» وهو «الاتجار بالبشر». المشترك بين المصطلحين هو وجود مهاجرين يعبرون حدودا دوليّة عبر شبكات تهريب. أمّا الاختلاف الجوهري بينهما أنّ التهريب يكون بناء على موافقة المهاجر، في علاقة تعاقدية بين المهاجر والمهرّب للوصول إلى وجهة محدّدة ومقابل جزاء مادّي معلوم بين الطرفين. أمّا الاتجار فهو تهريب المهاجر واستغلاله بالقوّة (لأجل الربح المادي) دون موافقته، أو رضاه، من خلال اختطافه أو الاحتيال عليه.
المحزن في الأمر في الحالة الليبيّة، أنّ الكثير من حالات تهريب المهاجرين تتحوّل إلى عمليّة اتجار بالبشر يجد فيها المهاجر نفسه ضحيّة عصابات إجراميّة، تتحكّم في مصيره. وأيّا كانت الفروقات المفهومية بين المصطلحين؛ فإنّ المهاجر يبقى ضحيّة، ويتعرّض إلى التهديد والانتهاك والاستغلال والتعذيب، وحجب الماء والغذاء، وحتى القتل على أيدي المهرِّبين.
جغرافيا التهريب وخطر الإرهاب
وضّحنا في تقرير سابق، نشر على «دروج» (طالع التقرير هنا) أنّ المهاجرين يعتبرون ليبيا، محطة ممرّ لا دار مقرّ؛ بمعنى أنّها ليست أكثر من محطّة عبور، يصل إليها المهاجر، ويبدأ فيها رحلة التجهز لعبور البحر قاصدا أوروبّا على قوارب الموت.
كما وضّحنا أنّ مسارات التهريب ليست عشوائيّة كما يظن البعض، بل هناك منافذ دقيقة وممرّات معلومة ومسارب معروفة، ومسارات واضحة، في عمق الصحراء، إضافة إلى محطات وصول محدّدة على امتداد مدن الساحل الليبيّ.
يعتبر الجنوب الليبيّ (الشرقي والغربي) المنفذ الأبرز للتهريب عموما، سواء كان للبشر أو البضائع والسيارات والمحروقات، أو المخدّرات والسلاح، بل أيضا؛ قد يكون التهريب منفذا لتسلل المجرمين والإرهابيين أيضا.
يمكن تقسيم الجنوب الليبيّ إلى قسمين:
- الجنوب الشرقي: ومركزه الكفرة وتازربو، والدول الحدوديّة الأقرب له، هي السودان وتشاد، وفق مسارات تاريخيّة للقوافل والتواصل الثقافي بين شعوب الدولتين. ومن الكفرة تنطلق رحلة التهريب نحو إجدابيا ثم البريقة على الساحل.
- الجنوب الغربي: ومركزه مدينة سبها، والدولة الحدوديّة الأقرب له، هي النيجر. وهناك امتداد إثنيّ يكاد يجعل الحدود مفتوحة بلا أيّ اعتبار. من سبها تتعدّد الخيارات وتبقى طرابلس هي الوجهة الأساسيّة، والتي منها قد يُتجه إلى صبراتة أو زوارة أو الخمس.
والمُلاحظ أنّ في كِلا دولتيْ السودان والنيجر، هناك سوق اسمه “سوق ليبيا” تُعرض فيه المواد المهربة من ليبيا، أو البضائع التي يراد إدخالها إلى ليبيا. كما أنّ هناك مكاتب خاصّة بترحيل الأشخاص الذين يرغبون في الهجرة.
خاتمة
يشكّل الفقر وشظف العيش وانعدام الفرض؛ السبب الرئيس المحرّك لقضيّة الهجرة. ليس فقط للمهاجر، بل للمهرّب أيضا، الذي يعدّ التهريب مصدرا أساسيا لدخله ومعاشه، لذلك يُلاحظ في ليبيا أنّ المدن الأكثر نشاطا في التهريب هي المدن الأكثر فقرا وتهميشا وندرة في فرص العمل.
إرسال التعليق