×

سمية البرعصي: إذن “ولي الأمر” لسفر المرأة إهانة لها

سمية البرعصي: إذن “ولي الأمر” لسفر المرأة إهانة لها

سافرت من تونس لزيارة عائلتي في ليبيا، حجزت تذكرة العودة (إلى تونس) بتاريخ 23 أغسطس بشكل طبيعي، وعند دخولي إلى مطار (بنينا) الدولي ببنغازي في موعد رحلتي، تفاجأت بقيام الموظف التابع لمصلحة الجوازات والجنسية بسحب جواز سفري والتحفظ عليه، رافضاً السماح لي بالمغادرة إلا بإذن “ولي أمري”! احتدم النقاش بيننا بعد أن طلبت منه إظهار سند قانوني ينص على منع سفر المرأة بدون موافقة ولي الأمر، تجاهل مطالبي هو وجميع العاملين بالمطار ولم يلقوا بالاً باقتراب موعد رحلتي واعتراضي المشروع، مُصرين على ضرورة قدوم أحد أفراد أسرتي ليسمحوا لي بمغادرة البلاد. استمرت معاناتي حتى حضور أخي، وبعد التأكد من هويته وصلة قرابته بي، سمحوا لي بالسفر.

 نشرت حينها تدوينة بالحادثة على موقع (تويتر – إكس)، وصفت فيها ما حدث معي بالإهانة والتعدي على حقي المكفول بنص القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية الموقعة عليها ليبيا، وما ورد في الإعلان الدستوري في (المادة 14 لسنة 2011م)، والتي تنص على حق حرية التنقل لكل المواطنين دون تمييز، والمادة 31 من الاتفاق السياسي لسنة 2015م كذلك.

تباينت الردود؛ بين تضامن معي ومشاركة مجموعة من النساء لتجاربهن في مطارات ليبيا المترامية، حيث تم منعهن من السفر والتحفظ على جوازاتهن في شرق البلاد وغربها ، وبين ردود أخرى طوت تهجمًا وسبًّا وطعنًا في أخلاقي، وكل أشكال العنف اللفظي غير المبرر سوى كون أغلبية مجتمعية سليطة اللسان لا تريد أن تواجه واقع التمييز وتقييد الحريات في بلادنا. كما وُصف ما كتبته بأنه دعوة للخروج عن مبادئ الشريعة، وأن هذه التدوينة لن تغير شيئًا، وتأكيدًا واثقًا على استمرار هذا التضييق أو ما أسموه (حماية المرأة وصونها)، فيما عجت بقية الردود بالتبريرات المختلفة للجهات الأمنية والإجراءات التي اُتخذت ضدي.

من خلال متابعتي للردود، لاحظت الاستخدام المتزايد للنصوص الدينية، في محاولة لشيطنة النصوص القانونية التي تدعم حق المرأة في التنقل، والذي سعت دار الإفتاء إلى سلبه بإصدارها فتاوى متكررة منذ عام  2012م، طالبت فيها الجهات المسؤولة بمنع المرأة من السفر دون “محرم”.

رمزية الفضيلة المطلوبة من المرأة دون الرجل مسألة مستفزة للغاية؛ باسم الدين يبررون لأنفسهم ارتكاب أي شيء، وبمجرد أن تطالب المرأة باحترام القانون واحترام استقلاليتها وحقها في العيش كمواطنة كاملة الحقوق والأهلية، يجعلها ذلك –مباشرة- عرضة لاستباحة تامة وشرعية، بالتهجم والتشكيك والتخوين والطعن في كل ماهيتها، ومصادرة حقوقها بأحكام تصل إلى تكفيرها.

فور انتشار تدوينتي وأصدائها في مواقع السوشال ميديا، رد موظف مصلحة الجوازات على ما نشرته بتدوينة من جانبه، قام بنشرها على موقع فيس بوك، ونافياً فيها (إهانتي)، وعلى غرار المعتاد والمتوقع، تلقّت تدوينته سيلًا من الردود الداعمة له ولموقفه “الرجولي والأخلاقي”، والتي تجاوب هو بدوره معها بالقلوب الافتراضية، وأنبتَ القمع حبًا ووئامًا.. كما عهدنا في ليبْيتنا.

لم يدرك هؤلاء بعد أن معاملة المرأة كناقصة للأهلية والتحفظ على جوازها وحرمانها من حقها الدستوري، بمنعها من السفر بدون إذن ذكر آخر، هو في حد ذاته تعدٍ عليها وعلى حقوقها وإهانة فجة لإنسانيتها وكرامتها؛ أن يطلب شخص من امرأة بالغة راشدة إذن ولي الأمر للسفر يعكس إذلالًا وتقليلًا من شأنها. كما أن شيطنة الأنثى ووضعها في محل تشكيك أخلاقي عند ممارسة حقوقها هو سلب وتجريد لحقوق المواطنة المكفولة بالتشريعات والقوانين. وليست الإهانة –كما يرونها- مقتصرة على الشتم والعنف الجسدي.

لقد شعرتُ وقت الحادثة بإهانة حقيقية، وتمييز ومعاملة غير كريمة؛ فقط لكوني امرأة أرادت السفر، أحسست بالوحدة والغربة في مواجهة هذا العنف والبلطجة وعدم الاعتراف بوجودي و استقلال كياني كإنسانة.

إرسال التعليق