تقرير لـإسلام الأطرش: “مواطنون مقاتلون.. ضحايا ومنبوذون”
في خضم الحروب الليبية -الصغيرة والكبيرة- المستمرة لسنوات، ظهرت عدة محاولات محلية وخارجية لإعادة دمج المقاتلين السابقين في الحياة المهنية. والذين يأتي معظمهم من الطبقات المتوسطة والمتوسطة الدنيا في ليبيا، من صغار السن الذين يلعبون دور وقود مثالي لمصالح أكثر ثقلًا من أجورهم.
وفي حين اتسمت المبادرات المحلية بكل الصفات المحلية التقليدية؛ كالفساد والمحاباة، والبروباغاندا السياسية. واجهت المبادرات الأجنبية عوائق متنوعة، كالفهم القاصر للثقافة المحلية والواقع الديمغرافي الذي يأتي منه المقاتلون في ليبيا، ليس فقط من ناحية الطبقة الاجتماعية (الاقتصادية)، بل واقع التقسيم الاجتماعي والمناطقي الذي يعيشه وترعرع فيه المقاتلون.. بالإضافة إلى توجّس المقاتلين -والليبيين بشكل عام- من المبادرات الأجنبية بشتى أشكالها، مما أدى -في أحيان كثيرة- إلى فشل هذه المبادرات أو تحقيق نجاحات فردية تعتمد بشكل أكبر على نية المستهدَف نفسه في الخروج من دائرة العنف.
“مبادرة متألق” في مصراتة والزنتان
أطلقتها منظمة سوبر نوفا لإعادة دمج المقاتلين السابقين، بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي. وقامت بتدريب 200 مقاتل سابق من الزنتان ومصراتة، وامتدت المبادرة إلى تدريب النساء اللواتي فقدن أزواجهن/معيلهن في الحرب، بهدف مساعدتهن على الدخول للحياة المهنية.
في مدينة مصراتة، يتلقى المقاتل السابق أحمد مسعود صاحب الـ32 عامًا تدريبات مهنية لتركيب كاميرات المراقبة.
“على الرغم من ترددي المبدئي، إلا أن التجربة كشفت لي مدى إيجابية الأمر. تغيرت حياتي بشكل كبير بعد أن كنت في بيئة شديدة الخطورة، ولكنني طورت من مهاراتي الآن، وتمكنت أخيراً من تأسيس شركتي الخاصة بدعم من المشروع“.
واستطرد مسعود حديثه “وأخيرا تركت القتال المسلح وآمل حقًا أن تستقر ليبيا”. وحول المبادرة يقول: “مثل هذه المبادرات هي سبب للتغيير ليس أكثر، ولكنه الاندماج يبدأ من الشخص ذاته للخروج من العزلة وأجواء الحرب إلى الحياة المهنية، لأنني شعرت بعدم اعتراف الحكومة بمقاتليها”.
نجاح سعيد، التي تبلغ من العمر 34 عامًا، والتي غدت أرملة بعد أن فقدت زوجها في إحدى الحروب، ووجدت في الخياطة والتطريز ملجئًا ومصدرًا لإعادة بناء حياتها.. بعد أشهر من التدريب المكثف مع ذات المبادرة “متألق”، تمكنت نجاح من تحويل مهاراتها الجديدة إلى مشروع مستقل، حيث افتتحت معملها الخاص للخياطة والتطريز.
وبعد عامين من التدريب، نما مشروع نجاح وأصبحت توظف العديد من النساء في المنطقة، مما ساهم في توفير مصدر دخل لهن، وإحياء صناعة الحرف التقليدية في محيطها أيضًا.
تقول نجاح: “أتمنى أن يشهد البرنامج تنفيذ مزيد من هذه المبادرات، لأنه يغير حتى من نفسية الشباب، ولأننا لا نريد حروبًا أخرى بعد اليوم”.
وكانت منظمة سوبر نوفا قد صممت برنامجًا للمقاتلين السابقين بهدف تمكينهم من معرفة أساسيات ريادة الأعمال وتشجيعهم على بدء مشاريعهم التجارية الخاصة، بالإضافة إلى النشاط الفني والرياضي، بما في ذلك إنشاء فريق رياضي إلكتروني وورشة عمل لفن الخط العربي.
وتعمل المبادرة على اختيار مواضيع التدريب والمهارات في البرنامج استنادًا على الطلب في السوق واحتياجات سوق العمل المحلي. وذلك لتعزيز فرص التوظيف للمشاركين.
وقد انطلق المشروع في فبراير 2021، بالتشاور مع المجالس العسكرية والبلدية في الزنتان ومصراتة، بينما تعمل المنظمة اليوم على تدريب 200 آخرين في العاصمة طرابلس.
في الزنتان، فرج سالم 21 عامًا، وهو طالب سابق في مدينة الزنتان، يقول: “أخذت السلاح للدفاع عن المدينة، واليوم أعاقب عليه!”. ترك فرج القتال المسلح بعد تعرضه لإصابة خطيرة كادت أن تودي بحياته، وحصل على منحة تدريب حول الكمبيوتر حتى يتمكن من تعلم تطوير تطبيقات الهاتف المحمول، وفي غضون أربعة أشهر تمكن فرج من العمل في مجال البرمجيات.
من جانبه يقول رايف وفاء، منسق المشروع: “واجهنا تحديات عديدة، أبرزها كانت مسألة عدم الثقة التي تكنها الفئات الشبابية في ليبيا تجاه المنظمات الدولية. لذا كان علينا أن نبدأ من الصفر في بناء علاقة متينة معهم لكسب ثقتهم”.
وحول اختيار المشاركين قال: “يتم اختيار المشاركين في المشروع من خلال عملية شاملة بالتعاون مع شريكنا البرنامج الوطني لإعادة التأهيل في وزارة العمل”. حيث يتم مراعاة معايير بعينها؛ مثل خلفيتهم ومهاراتهم ودوافعهم. وبالإضافة إلى ذلك، يتم بذل جهود لضمان التنوع والشمول في اختيار المشاركين.
كما عملت المبادرة -رغم العوامل الاجتماعية والثقافية– على معالجة عدة تحديات لتعزيز المساواة بين الجنسين، بطرح برامج مخصصة لمعالجة احتياجات وعوائق خاصة بالنساء، وذلك لضمان الوصول المتساوي للمشاركين ومن هم بحاجة ماسة لدمجهم في المجتمع، وتمكين النساء داخل المشروع والمجتمع بشكل عام.
ورغم شهادات المشاركين الإيجابية بخصوص مبادرة متألق نفسها، من المتوقع ألا يحدث تغيير ملحوظ في الأمد القريب، لغياب الرؤية المحلية نظرًا لانشغال السلطات الليبية بقضايا أخرى وعدم إعطاء الأولوية الكافية لمسألة دمج الشباب وتوظيف طاقاتهم كجزء أساسي من عملية السلام والتنمية في البلاد.
إرسال التعليق