الهادي الشريف.. موسيقار ليبيا المنسي
ضابط الشرطة والموسيقار وعازف الكلارينيت
“يستند هذا المقال على معلومات تم جمعها من خلال السيد خالد الهادي الشريف، ابن الموسيقار الراحل الهادي الشريف، والذي يحاول إعادة أعمال والده إلى الواجهة من جديد”.
درس الهادي الشريف في مدرسة باب تاجوراء الابتدائية بين عامي 1941-1946، ثم انتقل إلى مدرسة الظهرة الثانوية، وكان عازفاً على آلة الكلارينيت ضمن فرقة الشرطة في منطقة أبو ستة من عام 1953 حتى 1955، ثم أصبح طالباً في المدرسة العسكرية الملكية للموسيقى في لندن بالمملكة المتحدة، وقد تم حرمانه من ترقية رتبة الشرطة عند استكمال التخرج من التعليم العالي بسبب القرار الذي تم اتخاذه عام 1969 من خلال مجلس قيادة ثورة سبتمبر، والذي تم بموجبه نقل قوات الشرطة كاملة إلى الجيش، حيث تمركز الراحل رفقة قوات الشرطة في ثكنة عسكرية بالجنوب الليبي لمدة عامين من 1969 إلى 1971.
أصبح أستاذاً بعد ذلك في فترات لاحقة بمعهد جمال الدين للموسيقى، ثم أستاذاً بجامعة طرابلس بقسم الموسيقى والفنون الجميلة بين عامي (1981-1984)، وكان قبل ذلك أستاذا موسيقيا بقاعدة ويلس الجوية الأمريكية بطرابلس في الستينات.
كان موسيقاراً ليبياً اشتُهر بسيمفونيته أنغام من الصحراء (Sounds Of The Desert) التي أنجزها بين عامي 1977-1980، والتي احتوت على 11 مقطوعة اختار لها عناوين مثل: الخيول العربية، جرمة، عتاب، رقصة الخريف، الغروب في الصحراء، عروس البادية. حيث لمع وسجّل حضوره في تاريخ ليبيا الموسيقيّ من خلال ريادته لفن تأليف وتوزيع مجموعة من السيمفونيات الليبية التي ظل معظمها حبيس الورق دون أن يتم عزفها أو إعادة انتاجها، ودون أن تهتم الدولة الليبية بإرثه الفني الذي ظل مجهولا على الصعيد المحلي رغم بعض الارتباطات التليفزيونية والإذاعية القليلة التي كانت تخصص له من وقت لآخر، فالنظام الليبي حينها لم يكن مهتماً بشكل حقيقي بأنشطة العمل الفني، خصوصا تلك الأعمال التي لم تكن مقترنة بسياسات الدولة ومعبّرة بشكل ما عن جهات النظر محددة وقيم تتبناها السلطة.. وهو بالطبع ما ينطبق على مقاربة السلطات المتعددة في ليبيا اليوم تجاه العمل الإبداعي والفني.
ويقول ابنه خالد في حديثه لدروج: “أما التراث الموسيقي الذي تركه لنا والدي الراحل فهو حوالي 5000 نوتة موسيقية. وفي المجمل، معظم تلك الأعمال لم تر النور ولم تتطور بعد، نظرا لعدم وجود الفهم الكافي للموسيقى في مجتمعنا، رغم أن الكثير من أعمال والدي الراحل كانت مستوحاة من الخلفية الليبية والعربية والإسلامية لأرض الوطن، كما أنها مدرجة في موقعه على الإنترنت، ومعظم أعماله القليلة المسجلة تم تسجيلها -أساسا- في لندن بالمملكة المتحدة إلا أنها بمجملها تعرّضت للإهمال”.
وأضاف: “بالنسبة لصحة والدي الراحل، فقد كان يعاني من مرض السكري منذ سنوات ونتج عن ذلك العديد من المشاكل القاهرة في البصر ومشاكل في القدم، وأخيرًا مشكلة في الصدر والجهاز التنفسي، ولم يكن لديه أي دعم مالي في أي وقت مضى من قِبل الحكومات التي عاصرها، بل كان كل العلاج على نفقته الخاصة حتى وفاته عام 2018″.
و لم تظهر أي من الحكومات الأخيرة أي دعم لتطوير تلك الأعمال موسيقية التي عكف الشريف على تأليفها بجهد كبير، تلك الأعمال التي كان من المفترض بها أن تثريَ الثقافة الفنية بمجتمعنا وبلدنا، ويقول خالد: “أغلب الحكومات التي مرت على بلادنا لم تكن مهتمة بإحياء الموسيقى والحب والفرح، وأعتقد أنهم يفتقرون إلى فهم مثل هذه الأعمال التي قام والدي بتأليفها لسنوات طويلة”.
وقد تم تكريم الراحل الهادي الشريف للمرة الأولى في سبتمبر 1989 في الاحتفال العشرين بذكرى “ثورة الفاتح”، لأنه شارك فيها ببعض الأنشطة الموسيقية حيث حصل على وسام كمكافأة ورمز تذكاري، أما التكريم الثاني فقد كان في العام الماضي من قبل وزير الداخلية وكانت المكافأة عبارة عن هدية، ويقول خالد ساخراً: “هذا في الحقيقة لا يمثل شيئًا بالمقارنة مع إنجازات والدي الموسيقية، أو حتى بالنظر إلى طبيعة عمله كضابط في وزارة الداخلية التي قضى فيها ما يقارب 40 عاماً من حياته“.
وكانت أعمال الراحل قد تم عزفها في أوركسترا لندن، بينما بقت مجموعة كبيرة من سيمفونياته غير منجزة، وقد حاول ابنه خالد جمعها وترتيبها لمحاولة إحيائها وبعثها مجددا للحياة إلا أنه اصطدم بمعوقات مادية كبيرة، بالإضافة إلى عدم وجود عازفين أو دعم من قبل الجهات والمؤسسات الثقافية.. “معظم أعمال والدي قمت بتجهيزها للعزف والتسجيل، واستغرق الأمر مني 18 شهرًا للتحضير، وأنا الآن في مرحلة انتظار طويلة للدعم المالي لأن الأمر يحتاج إلى السفر للخارج”.
ويضيف: “من أجل تطوير تلك الأعمال نحن بحاجة إلى أوركسترا محترفة وهناك حاجة إلى مورد مالي، لأنه هذا النوع من الموسيقى يحتاج إلى عازفين مهرة غير متوفرين في ليبيا، وقد قمت بمراسلة بعض المطورين الموسيقيين في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا لأعرف حجم التكلفة المادية، التي وصلت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حوالي 150 ألف دولار أمريكي (بمقدار واحد وخمسين ألفًا لكل جلسة مدتها حوالي 45 دقيقة)”.
2 تعليقان