أميرة النعال تكتب عن جهود مكافحة التصحر في ليبيا
انطلقتْ في عمق براري جبل نفوسة قصة استثنائية عن تحويل منطقة طبيعية بأيادي أهلها إلى محمية صغيرة تضم مناطق زراعية يحظر فيها الصيد، وبمساعدة سخية من رجل أعمال أعانهم على توفير مياه وغفير حراسة، نمت الأشجار في المحمية لفترة من الزمن، إلا أن نقص الموارد المادية أدى إلى تدهور حال المنطقة من جديد.
مبادرة أصدقاء الجبل
هنا أتى دور مجموعة من الشبان الذين دفعهم شغفهم بالتخييم والاستكشاف إلى إطلاق مبادرة “أصدقاء الجبل” في مطلع عام 2023 ، “لماذا لا نكمل هذا المشروع بأنفسنا؟” سأل زياد الحمدي أصدقاءه، وهو ناشط بيئي ومتخصص في الهندسة الحيوية، فيما كانوا يبحثون معًا عن بقعة تخييم جديدة في المنطقة، مما أشعل إدراكهم بأن العمل الشاق والتفاني هما مفتاح تحويل الأحلام إلى حقيقة. هكذا أطلق الناشط البيئي زياد الحمدي مبادرة “أصدقاء الجبل” التي هدفت إلى الحفاظ على الغطاء النباتي و التنوع الحيوي في منطقة الجبل الغربي من خلال جهود التشجير الطوعي.
يقول الحمدي إن مساهمة المبادرة في استصلاح الأراضي قد تكون بسيطة، لكنه شدد على فعاليتها نظرًا، لنجاحها في انخراط المجتمعات المحلية، خاصة في يفرن، في حملات زراعة وسقي الأشجار.
سعت المبادرة إلى تعزيز الوعي بالممارسات المستدامة وإشراك المجتمع في حملات التشجير، كما ركز أحد مشاريع المبادرة على توفير شبكة ري للمحمية الطبيعية، ما ساهم في زيادة فاعلية جهود التشجير. نجحت المبادرة حتى الآن في زراعة قرابة 100 شتلة رغم نقص المياه وصعوبة الظروف، خاصة خلال موسم الصيف؛ إذ اختارت المبادرة أشجار الصنوبر المثمر لقدرتها على تحمل الظروف الجوية القاسية والجفاف، مما يجعلها مناسبة لطبيعة البلاد. إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الأشجار توفير دخل للسكان المحليين من خلال بيع بذور الصنوبر بعد نضجها.
كما أكد الحمدي إمكانية تعميم نموذج مبادرة أصدقاء الجبل وتكيفه مع مناطق أخرى، وأضاف “بما أن كل منطقة لها موارد وتحديات خاصة بها، يمكن ضبط النموذج ليتناسب مع تلك التحديات”. وأشار إلى نجاح مبادرات مشابهة كدليل على فاعلية تعميم هذا النموذج.
التحديات البيئية في ليبيا
لنتكلم عن التحديات البيئية لا بد أن نسلط الضوء على الدور المحوري الذي تؤديه الشجرة في مقاومة التغير المناخي؟ وما هي جدوى التشجير؟
تعتبر الأشجار ملاذا مناسبة للعديد من الكائنات الحية، وتقوم بعدة وظائف مهمة في الحفاظ على التوازن البيئي، كسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه داخل هياكلها، وإطلاق غاز الأوكسجين بالمقابل، مما يعمل على تحقيق التوازن بين الغازات في الهواء. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشجار تعمل على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو خلال عملية التمثيل الضوئي، وتحويله إلى مواد عضوية تخزنها في هياكلها وفي التربة المحيطة بها. كما تلعب الأشجار دورًا هامًا في تقليل التآكل البيئي بواسطة ترسيب التربة وتعزيز التربة الصحية.
يأتي التشجير كأحد أهم الحلول الرئيسية للتكيف مع تغيُّر المناخ، إلا أنَّ هذه الاستراتيجية تحتاج أيضًا إلى خطّة واضحة، وتوافق دولي، ودراسات بشأن أنواع الأشجار التي يمكن الاعتماد عليها لتؤتي ثمارها. إدارة الأراضي المستدامة مسؤولية تقع على عاتق الجميع، فلا يمكن أن يؤدي عمل المنظمات وحده إلى إيجاد تغيير جذري. تؤكد الدراسات أن التعاون المشترك سيمكننا من استعادة إنتاجية أكثر من 2 مليار هكتار من الأراضي المتدهورة حول العالم وتحسين سبل عيش أكثر من 1.3 مليار شخص.
أزمة التصحر في بلاد الصحراء
ينص تعريف التصحر -حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر- على أنه تدهور الأراضي في المناطق الجافة وشبه الجافة نتيجة للأنشطة البشرية والتغيرات المناخية، مما يجعل هذه المناطق أكثر عرضة لظاهرة التصحر. تطورت هذه الظاهرة بمعدلات متسارعة، حيث بلغت نسبة الأراضي المعرضة للتصحر لحوالي 40% من إجمالي المساحة اليابسة.
يُعتبر التصحر الشغل الشاغل للحقوقيين البيئيين في ليبيا، حيث تجعل طبيعة البلاد الصحراوية المعاناة من التصحر والجفاف أمرًا واضحًا وحتميًا. وقد صنفت منظمة الأمم المتحدة أكثر من 95% من البيئة الليبية بأنها صحراوية أو شبه صحراوية في تقريرها الخاص بليبيا لعام 2023، وأكدت على ضرورة حماية واستعادة المساحات الخضراء نظرًا لأهميتها البالغة.
ويعد استخدام الوقود الأحفوري وآثار الحروب من بين أبرز أسباب التصحر في البلاد، حيث يؤدي حرق الوقود الأحفوري إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي النمط العشوائي للتعمير وانعدام الأمن والقانون إلى استغلال غير مشروع للمساحات العامة وتدهور البيئة. مواجهة هذه المشكلة تتطلب تبني استراتيجيات شاملة، بما في ذلك تعزيز الزراعة المستدامة والمسؤولة، وتطوير سياسات بيئية فعالة، وتشجيع استخدام الطاقة المتجددة، وتطبيق القوانين واللوائح لحماية المساحات الخضراء والحفاظ على التنوع البيولوجي. من المهم أيضًا زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتشجيع المشاركة المجتمعية في جهود مكافحة التصحر.
جهود التكيف المحلية
يشدد الخبراء البيئيون على أهمية تنمية الزراعة المستدامة وذلك باختيار أشجار ذات خصائص معينة والمحافظة على الغابات الحالية وزيادة أعداد الأشجار الأصلية، حتى لا يتم إهدار المياه كما حدث في مدينة كيب تاون التي تعرضت لأزمة جفاف حادة في عام 2018 بسبب هدر نحو 55 مليار لتر من المياه.
وتذكر ياسمين الأحمر الناشطة البيئية بأن ليبيا واحدة من أكثر الدول جفافًا في العالم، حيث تعاني من نقص كبير في الموارد المائية الطبيعية وشح الهطولات المطرية السنوية، وتحتل المركز السادس بين أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، حيث بلغ مستوى الإجهاد المائي 817 في المئة عام 2020، فيما اعتمدت 50 في المئة من الأسر على المياه المعبأة.
كما أن أقل من 2 في المئة من مساحتها تتلقى كمية كافية من الأمطار لدعم الزراعة، ويتلقى فقط 5 في المئة من المساحة أكثر من 100 ملم من الأمطار سنويًا.
يشجع الخبراء على زراعة المحاصيل المقاومة للملوحة والجفاف، وتعزيز استخدام مياه معالجة، والاستثمار في بحوث الاستمطار، وتنفيذ برامج لرفع الوعي بمشكلة التصحر والمساهمة في تقليلها. كذلك يعد تطبيق أنماط الزراعة المستدامة وتعزيزها جزءًا أساسيًا من الجهود المبذولة لمواجهة التحديات البيئية في مجال الزراعة؛ ويتضمن ذلك استخدام تقنيات زراعية مستدامة مثل الزراعة العضوية والتقليل من استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة الصناعية. إذ يتم اختيار الأصناف المناسبة التي تتكيف مع ظروف البيئة القاسية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز استخدام المياه المعالجة في الري الزراعي، حيث يتم معالجة المياه المستخدمة في الصناعة والمنازل لتصبح صالحة للاستخدام الزراعي. ويمكن أيضًا استكشاف تقنيات الاستمطار لاستخلاص الماء من الجو واستخدامه في الري.
أصبحت ضرورة تغيير النهج ومواكبة التقدم العلمي في مجال البيئة أمرًا مهمًا لتكييف المجتمع مع التعقيدات البيئية المتزايدة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تعاون الأفراد والمجتمعات والحكومات لتقليل مخاطر الكوارث وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف معها، وإعادة التشجير هي واحدة من الحلول الهامة لمواجهة التصحر وظاهرة قطع الأشجار التي تواجهها البلاد.
أظهر تقييم أجري في 42 بلدًا أفريقيًا أن الفائدة التي تجنيها الإنتاجية الزراعية من إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة وحفظها أكبر إلى حدٍّ يتراوح بين 3 إلى 26 ضعفًا من كلفة الإحجام عن العمل، وكان Mirzabaev وآخرون (2021) قد برهنوا في سيناريوهاتٍ لبلدان الجدار الأخضر العظيم، أن تكاليف إعادة تأهيل الأراضي (كلفة العمل) أقل من كلفة الإحجام عن العمل، ويبرز في هذه النتيجة مبرر اقتصادي قوي يدعم أنشطة إعادة تأهيل الأراضي في منطقة الساحل.
جهود فردية تبحث عن اصطفاف وطني
كرس نشطاء ليبيون جهودهم لتنظيم مبادرات تشجير، اعتبارًا أنها من أكثر السبل فعالية لمقاومة التصحر واستعادة للغابات وتنمية الغطاء النباتي الذي تضرر نتيجة عدة عوامل، مثل المناخ الجاف، والحروب، والقطع الجائر للأشجار، والرعي غير المستدام، وجمع الحطب، والحرائق، والاستبدال غير المدروس للمساحات الخضراء بالمباني الخرسانية. تسعى بعض الجهات المحلية لزيادة التوعية بأهمية مكافحة التصحر.
يقول أنس القايدي، وهو رئيس الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية: إن منظمات المجتمع المدني المعنية بحماية البيئة، وخاصة الحياة البرية، عملت بكد لحماية التنوع الحيوي في ليبيا، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، ساهمت العديد من منظمات المجتمع المدني في تشجير محمية الشعافيين بمسلاتة لتكون متنفسًا للمنطقة الغربية كافة. وقد تعرضت مساحات المحمية التي تتعدى 580 هكتار فيما سبق، للرعي الجائر، كما أدى الجفاف المصاحب لمواسم الصيف لاحتراق الأعشاب واندلاع الحرائق، سواء بقصد أو بسبب ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في ظل غياب شبكات إطفاء الحرائق.
وقد عملت الجمعية الليبية لحماية الحياة البرية -بالتعاون مع وزارة البيئة والزراعة- على تسجيل المحمية كأول محمية للمحيط الحيوي في ليبيا، وذلك بعد إطلاق حيوانات مهددة وشبه مهددة بالانقراض فيها، منها الذئاب، والثعالب، والسلاحف.
يضيف القايدي حول مساهمات المنظمات في زراعة المحمية، بأنها تقوم سنويًا بزراعة ما لا يقل عن 20 هكتارًا، مستهدفة المناطق المتعرضة للنيران أو الجفاف.
وتشير دراسة نشرت في مجلة العلوم (Science) بعنوان: “تصحيح التصحر العالمي: بناء علم لتنمية الأراضي الجافة” بأن الأراضي الجافة العالمية تواجه مجموعة متنوعة من المشاكل التي تشكل تحديات صعبة في مجال البحث والإدارة والسياسة. ومع ذلك، تشير التطورات الحديثة في تنمية الأراضي الجافة، جنبًا إلى جنب مع النهج التكاملي لعلوم التغير العالمي والاستدامة، إلى أن القلق بشأن تدهور الأراضي، والفقر، وحماية التنوع البيولوجي، وحماية ثقافة 2.5 مليار شخص يمكن مواجهته بتفاؤل جديد.
كما تشير دراسة حديثة إلى أن الأراضي الجافة حول العالم تواجه في الألفية الجديدة تحديات متعددة تؤثر على البحث والإدارة والسياسات المتبعة. ورغم ذلك، فإن التقدم الأخير في تطوير هذه الأراضي، بالإضافة إلى تبني منهج متكامل يجمع بين علوم التغير العالمي والاستدامة، يوفر أملاً جديداً في التغلب على المخاوف المتعلقة بتدهور الأراضي، والفقر، وحماية التنوع البيولوجي، والحفاظ على ثقافات حوالي 2.5 مليار إنسان.
ماذا تمثل المساحات الخضراء في ذاكرة الليبي؟ “جود دائم” كمثال..
تقع غابة “جود دائم” في ضواحي مدينة الزاوية، وتُعرف أيضًا بـ”جدايم “، ويقال بأنها سميت بذلك تيمنًا بكرم وجود أهلها. أما مرتادو الحركة الكشفية، فيسمونها بالغابة الكشافية، إذ اعتبروها لعقود موطنًا لهم. تبلغ مساحة جدايم حوالي 170 هكتارًا، محتضنة أشجار الزيتون، والبرتقال، والصنوبر، ومحاصيل زراعية كالحبوب والحمضيات. توجد في جدايم كنيسة إيطالية قديمة مطلة على البحر الأبيض المتوسط، حيث يعود تأسيس جدايم لعام 1938، أي في عهد الطليان، وقد سميت حينها بـ”قرية oliveti”، أي قرية الزيتون.
أتاحت جدايم براحًا لمحبي الطبيعة، فيكاد لا يخلو أي منزل في المنطقة الغربية من صورة تذكارية لنزهة بجدايم، إذ لطالما كانت وجهة العائلات لإقامة “الزرادي” في فصلي الربيع والصيف، ومقصد الرحلات الطلابية للمدارس والجامعات في فصلي الخريف والشتاء. أثبتـت الأبحاث أن العيـش بالقـرب مـن المسـاحات الخضـراء يعـزز ويحسـن الصحـة الجسـدية والعقليـة، فهـو يُخفـض ضغـط الـدم ويُقلـل التوتـر ويحسـن جـودة الحيـاة فـي هـذه المجتمعـات. كمـا تشـير الإحصائيات إلى أن زيـادة المناطـق الخضـراء بنسـبة 10 % يوفـر 25 ±يـورو لـكل سـاكن فـي العـام الواحـد.
تقلصت مساحة جدايم بشكل كبير بعد ثورة فبراير عام 2011 ، حالها حال العديد من الغابات الأخرى، نتيجة لاستغلال بعض الأطراف لحالة الفوضى وقطع الأشجار بشكل جائر، كما تعرضت أجزاء منها للحرائق بسبب الإهمال، هذا إلى جانب مساهمة قلة هطول الأمطار نتيجة للتغير المناخي.
يقول أنس القايدي إن مياه البحر تعرضت للغابة، ما زاد من ملوحة التربة وضعف الأشجار، كما نقص التنوع الحيوي في الغابة، فاختفت أعداد كبيرة من الطيوروالحيوانات التي اشتهرت بها الغابة، الأمر الذي جعل من إعادة زراعة هكتار ونصف من المساحة الإجمالية أمرا إلزاميًا.
على الرغم من صعوبة ربط أحداث الطقس بتغير المناخ فقط، إلا أن العلماء يقولون إن ظاهرة الاحتباس الحراري أدت إلى زيادة كثافة هطول الأمطار، في حين أدى ارتفاع مستويات سطح البحر إلى زيادة تأثير الفيضانات الساحلية على السكان، وجدايم خير مثال.
التحديات والصعوبات
أطلقت وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة الزراعة في نوفمبر 2023 مبادرة لزراعة 100 مليون شجرة لتغطية 100 ألف هكتار موزعة حول أنحاء البلاد، على أن تكون 40% منها أشجار مثمرة و60% منها أشجار غابات، لتوفر موطنًا للكائنات الحية وتساهم في تحسين التنوع الحيوي. تأتي هذه المبادرة استجابةً لتحديات تغير المناخ والتصحر التي تواجهها ليبيا، وتهدف مبادرة التشجير هذه إلى زيادة مناسيب المياه الجوفية، وتحسين جودة الهواء من خلال امتصاص 3″ ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون”، وخلق فرص عمل جديدة.
تقول ريما إبراهيم عن هذه المبادرة، وهي مدونة وباحثة في مجال البيئة: “أتابع عدة منظمات مجتمع مدني تعمل بمجهودات جبارة وبتعاون مع مختصين لمساندة جهود وزارتي التخطيط والزراعة لتنفيذ المبادرة منذ انطلاقها، لكنني أستغرب معاناة بعض هذه المنظمات من قلة الإمكانيات والدعم، واعتمادها على مجهودات المتطوعين وجراراتهم وسياراتهم الخاصة وفقًا لتصريحاتها، ما يطرح تساؤلات حول دور الحكومة في غياب الدعم المادي واللوجيستي.”
هذا وقد شدد القايدي في هذا الصدد على أهمية خطط المتابعة لمراعاة أي تغيرات بيئية أو جغرافية للبلاد، وضرورة دعم الدولة لمشاريع المنظمات المحلية البيئية وحملات التشجير. واقترح القايدي استخدام تقنية الري المعروفة بالشرنقة، حيث توفر سقاية لحين نمو الشتلات، ومن بعدها يجب الانتقال لنظام الري البعلي.
حلول وتدابير
هنالك سبيلان لمواجهة التغيرات المناخية الكبيرة؛ إما بالتخفيف من مخاطرها أو التكيف معها.
تعرّف وكالة البيئة الأوروبية “التخفيف” بأنّه تدابير تهدف إلى الحد من تغير المناخ عن طريق منع أو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة.
أمّا “التكيف”، وفقاً لتعريف الأمم المتحدة، يعني التأقلم مع عواقب الظواهر المناخية والعمل على حماية الناس والمجتمعات من آثارها، وهذه العواقب من ضمنها الحرائق أو الفيضانات، أو الجفاف، أو ارتفاع الحرارة أو البرودة أكثر من المعتاد، أو ارتفاع مستوى سطح البحر.
تؤكد ريما إبراهيم على أهمية وجود استراتيجية وطنية شاملة للتشجير ومكافحة التصحر في ليبيا.. وتقول: “نفذت في الستينات عدة مشاريع لمواجهة التصحر وتثيبت الكثبان الرملية، أسفرت عن غابات صناعية بعضها قائم حتى اليوم. ومع ذلك، هنالك حاجة ملحة لاستعادة وتعزيز هذه الجهود من خلال وضع سياسات واستراتيجيات مستدامة تتناسب مع التحديات الحالية التي يفرضها التغير المناخي.”
وتشير ريما إلى أن نجاح هذه الجهود يتطلب وجود ميزانية ملائمة وفترة زمنية كافية للتنفيذ، وضرورة تعاون مختلف الوزارات والجهات المعنية لتحقيق أهداف مشتركة وبرامج فعالة. كما يجب أن تتضمن الاستراتيجية الوطنية تقنيات وأدوات متقدمة للري والتشجير لضمان نمو الأشجار واستمراريتها بعد الزراعة.
يبقى السؤال: مبادرة زراعة 100 مليون شجرة، رئة جديدة للبلاد أم مشروع أخر مجهول الملامح؟
تزايدت خلال الأشهر مارس ، أبريل و مايو من العام المنصرم الأصوات المنادية بأهمية الغابات لدورها الهام في تثبيت التربة وتخفيف تأثير الرياح والعواصف الرملية، خاصة مع تفاقم التحديات الناجمة عن العواصف الرملية، ويطالب الكثير من المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي بإجراءات أكثر جدوى وتطورًا في التعامل مع العواصف الرملية، كاستخدام أساليب التنبؤ بالعواصف وأنظمة الإنذار المبكر. كما تنادت الأصوات الرافضة لتبني الحكومة لأشجار غير أصلية في حملاتها للتشجير وقص بعض الشجيرات المعمرة في أعمالها القائمة على توسعة الطرق.
في ختام هذه الرحلة عبر جهود ليبيا لمكافحة التصحر وتعزيز الاستدامة البيئية، يتضح أن المبادرات المحلية مثل “أصدقاء الجبل” تلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على البيئة وتحسين جودة الحياة للمجتمعات المحلية. ومع ذلك، فإن استمرارية هذه المبادرات يتطلب دعماً مستداماً وتعاوناً بين مختلف الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني. ويتوجب أن تعمل ليبيا على تعزيز الوعي البيئي وتطوير استراتيجيات شاملة تتضمن التعليم، الابتكار، والاستثمار في التكنولوجيا الخضراء لضمان مستقبل أكثر خضرة واستدامة. من خلال هذه الجهود المتجددة، يمكن لليبيا أن تواجه تحديات التصحر وتغير المناخ، محققةً تقدماً ملموساً نحو أهداف التنمية المستدامة التي تنشدها.
“تم إنتاج هذا المقال بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي. تتحمل الكاتبة أميرة النعال المسؤولية الكاملة عن محتواه، ولا يعكس بالضرورة وجهات نظر الاتحاد الأوروبي”
إرسال التعليق