المواقف الحقوقية المُلتبسة (الأمازيغية ليست معبرًا حدوديًا)
تبادلت عدة ميليشيات السيطرة على أراضٍ ومعابر ومؤسسات حكومية ليبية منذ 2011، ونتيجة للصراعات والانقسامات المتعاقبة تلاشت بعضها، وتحالف بعضها، وأعادت أخرى خلق نفسها في صورة جديدة (Rebranding).
وعملت هذه التشكيلات دائمًا على صنع تحالف لها في بيئتها المحلية، ليشعر المواطنون في مناطق سيطرتها بأن بقاءهم ومستقبلهم مرتبط بهذه الميليشيات بعينها؛ فتجدها تتخذ صفة ما مواكبةً لشكل الصراع الآني: ثورية، شوارعية ومدينية، جهوية وتاريخية، قبلية وتاريخية، عرقية وتاريخية، بل أن ميليشيات قبلية ليبية في حرب مطار طرابلس وُصفت بـ”العلمانية” لمحاربتها ميليشيات قروية أخرى حُسبت “إخوانية” رغم أن ذخيرة الأخيرة الأهم هي بوخة شمال أفريقيا العريقة.
ولاحقًا وبالاعتماد على الخدع اللفظية والبدل العسكرية التركية والمصرية، وتماهيًا مع المطالب الأممية المحرَجة من وضع البلاد التي كانت سببًا رئيسًا فيه، تلبّست ذات الميليشيات ثوب الجيش والشرطة، واعتمدت مسرحية سخيفة رأس مالها بث مباشر لعروض عسكرية وبوليسية، ورقم تسلسلي من وزارات وهمية تسمى بالداخلية والدفاع في شرق ليبيا وغربها.
واليوم في راس اجدير، يظهر صراع محتدم بين ميليشيا عرقية وتاريخية لم تواكب “التغير الحداثي” في ليبيا لانشغالها بغنائم تهريب الوقود والسلع والاتجار بالبشر وتعذيبهم، وبين ميليشيا مواكبة للخيبة وجلبتها رشاوى قبلها “نشطاء الدولة المدنية” وأصدقاء موظفي بعثة الأمم المتحدة والدول المتدخلة في الشأن الليبي، وهي أيضًا تهرب الوقود والسلع وتتاجر بالبشر وتعذبهم بتمويل الاتحاد الأوروبي، وتحظى بتدريبات إنسانية لطيفة كذلك من منظمات أممية ودولية.
هذا الخصام بين الرداءة والرداءة المضادة لا يبدو حقوقيًا في شيء؛ حيث أن ن حقوق الإنسان الليبي تتمثل في مواطنته الكاملة، ويظهر واجب كل من يتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته في ليبيا في الحرص على أن تكون هذه الحقوق كاملة ودون جميل أو مكرمة، من الدولة أو من أي مكون وطني تجاه الآخر، وأن لا يتم الخلط بين المساواة في الإجرام والبلطجة، وبين الحقوق الطبيعية لمكونات وفئات ليبية أصيلة، لما في ذلك من لبس وأفخاخ تحول دون تحقيق هذه المكاسب الحقوقية، وتودي -في نهاية المطاف- إلى فقدانها جملةً كما فقدنا جميعنا حقوقنا الطبيعية كأمة في ليبيا، لتورطنا في ربط صراعات الغلبة وتطبيع العنف والإجرام بتحقيق استحقاقات أخرى تبدو مهمة ومستحقة للدعم الفوري.
من المهم التوضيح أن ليس في ما ورد أعلاه أي دعم لميليشيات وزارات الداخلية والدفاع الوهمية، بل الحث على اتخاذ موقف واضح ودائم برفض المنظومة كاملةً في شرق ليبيا وغربها، وفصل جميع الفئات المجتمعية الوطنية التي نعمل على الدفع بحقوقها ومصالحها عن صراع السفلة المسلحين، عوضًا عن محاولة الانتصار عبر الميليشيات الإجرامية مرة أخرى باسم “الدفاع عن الحقوق” وتحقيق المنافع (هل جلب ذلك منافعًا عام 2011، 2014 في بنغازي وطرابلس، 2019؟)، وهي مشكلة ليبية قديمة وتراكمية لعجز كثير من الأفراد الليبيين، سواءً كانوا من “عامة الناس” أو “المدافعين/ت عن حقوق الإنسان في ليبيا” أو الناشطين/ت عن اتخاذ مواقف أصيلة ومتطرفة عندما يتعلق الأمر ببيئتهم الأولى (العائلة، القبيلة، العرق، القرية، المدينة، الإقليم).
على جانب آخر، سطحيًا، يبدو الهجوم على الإباضيين في ليبيا مجرد محاولة تمدد وسيطرة تقليدية من قبل الجماعات السلفية التي ابتُليت بها ليبيا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وزاد تورط المجتمع الليبي فيها عندما اعتنق الطريقة تسعة بيروجيا الباشمهندس الساعدي وابن “لخ القايد” شخصيًا، وسُمح لهم بعدها بصلاة الفجر في المساجد وإعفاء اللحى وحك أسنانهم بالسواك وبيع المسك والعنبر والجلابيات السعودية الشقيقة. لكن هذا التهجم تحديدًا يبدو أكثر عنصرية وخطورة ضد فئة عرقية في ليبيا (الأمازيغ)؛ كونها وحيدةً تمارس هذا الحق الديني ويتوجب الدفاع عن حقوقها العقائدية كما الدفاع عن بقية حقوقها الثقافية، عوضًا عن التركيز على التواطؤ مع أقليتها المسلحة في حقها في التهريب والبلطجة، فقط لأن المسألة العرقية تتسم بالرواج الحقوقي.
إرسال التعليق