ليبيا.. ديموغرافيا الميليشيات الوطنية
بالنظر إلى التحولات الديموغرافية التي مرت بها ليبيا خلال السنوات الماضية، نجد أن الميليشيات المسلحة باختلاف مسمّياتها ومستوى ومناطق نفوذها وتوجهاتها، هي المُغيّر الأول لديموغرافيا البلاد، بجرائمها وحروبها التي تسببت في موجات نزوح وتهجير استهدفت في كثير من الأحيان مدناً بأكملها، وهي أكبر آلة قتل لليبيين منذ عام 2011 حتى يومنا هذا، أكبر من الأمراض والكوارث البيئية والأوبئة، حتى أصبحنا في حاجة لتوثيق بيانات عن “ديموغرافيا الميليشيات” على غرار ديموغرافيا الاقتصاد وديموغرافيا السياسة، للربط بين أهم محطات التحوّل التي شهدتها التركيبة السكانية في ليبيا خلال الـ14 عاماً الماضية، وظهور “مارد الميليشيات” المضاد للماء المرقي.

تكثف الكيانات المسلحة الملقبة سخريةً بـ”الأجهزة الأمنية” والممولة بمليارات الدنانير من خزينة الدولة، جهودها في التصعيد من حدة عنفها وتحريضها المباشر وغير المباشر ضد المهاجرين وطالبي اللجوء، من خلال تكثيف حملات الشيْطنة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتضييق على المنظمات الدولية الحقوقية المعنية بتقديم الدعم الإنساني والمادي للمهاجرين وطالبي اللجوء.
وفي آخر فصول تضييق هذه الكيانات على الدائرة المتواضعة للحقوق والحريات، قام جهاز الأمن الداخلي سيء السمعة بتعليق عمل 10 منظمات إغاثة دولية عاملة في ليبيا متسلّحاً بالهوس الشعبي بالعرق النقي وخرافات المؤامرة ضده بالتخطيط لتوطين المهاجرين، إلى جانب مخلفات الحملات المستعرة لشيْطَنَة المجتمع المدني ونسف بقايا تأثيره على الأرض في عدة مجالات بينها الهجرة.

تستخدم هذه الكيانات المسلحة سيناريوهات “مؤامرة التوطين وتغيير ديموغرافيا البلاد”، لخلق حالة اجتماعية من التطبيع الشعبي مع العنف ضد المهاجرين، وحشد أكبر قدر ممكن من التهليل لبطولاتها في “طَبْ” المهاجرين، لتشتيت الرأي العام والتغطية على غاياتها الرئيسية من وراء كل هذه الجرائم، أبرزها الانفراد بورقة المهاجرين في صفقاتها من تحت الطاولة مع الاتحاد الأوروبي، والتواطؤ مع الأخير بأكبر قدر من الأريحية، وتجديد جرعة التشويه لمجهودات المجتمع المدني في مجال الحقوق والحريات، وإضعاف قدرته على رفع الوعي والتحشيد خارج إطار نشاطات “المجتمع المدني” المرضي عليه.. بالإضافة إلى حلم كل مكونات القمع: عزل البلد وسكانها (مواطنين ومهاجرين) عن العالم.
محمد حنيش
إرسال التعليق