“سالم، مُثقل بالعار”
توصيف الرجل الليبي بالنسبة لي شيء مشوش ومتملص، أما النساء الليبيات فيسهل تحديد ماهيتهن؛ وهن بلا شك ضحايا، ولكننا سنعود إلى هذه النقطة لاحقاً، لأننا نعود دائماً إلى النساء الليبيات. وها نحن الآن في عام 2025، نملأ الصفحات تكرًارًا لنقول إن النساء الليبيات فاقدات الحقوق، تلك الحقوق الموسومة بكرامة كل المخلوقات. وأستطيع أن أتخيلكم قادمين من بعيد بنفس العبارات عن “تحرير المرأة على الطريقة الغربية”، و”تعاليم الإسلام” و”الشرف”. وتكررون بلا نهاية شعارات جوفاء لا تجفف الدماء على الجدران، ولا تنصف الآلاف من ضحايا الدكتاتورية والحرب والفساد، ولا تعيد أياً من المنفيين إلى شوارعهم القديمة.
ربما تكون أول سمة للرجل الليبي، نظراً لهوسه غير العقلاني بالشرف والسلطة، هي الشعور بالعار. ولا شك أن هذا الشعور ينبع من العجز. إنها مسألة عجز وجودي، وليس عجزاً عضوياً. لأنه من الواضح أن كلما كان العار الوجودي أقوى، كلما ازدادت صرخات الأعضاء التناسلية من أجل القوة العظمى.
إنه عاجز وجوديًا لأنه ضحية لمنظومة تقاليده وعرفه، ولحكامه الذين هم أنفسهم -اليوم- تحت إمرة قوى أجنبية. ولم يتبقى له إلا أن يصبح المسيطر الوحيد على ما هو “أدنى” منه، النساء والمهاجرين والأقليات جميعها.. إن انتزاع هذه السلطة منه يعني إخصاء الرجل الليبي نهائيًا.
هل أفكر في والدي أو أخي أو أبناء عمومتي عندما أكتب هذا؟ بالطبع، كما قلت سابقًا، إنها معركة ضد العار والوحدة يحق لي خوضها. وبدأت أتعاطف مع رجال بلدنا عندما رأيت العار فيهم.
دعونا نفترض رجلاً عشوائيًا، ونسميه (سالم)، ونعطيه عمرًا: 32 عامًا. سالم، لديه صورة بالزي التقليدي على حسابه الشخصي على الفيسبوك، الصورة المثالية. سالم لا يقرأ، وتبريرًا لذلك يقول في المقهى: إن لديه أفكاره الخاصة، ومفتي الديار أو هيئة الأوقاف. ينحني ظهره تدريجيًا بينما يقضي وقته في تصفح السوشال ميديا. سيستغل سفره إلى تونس لعلاج جدته لمعرفة سبب ألم ظهره. سالم لا يعرف شيئًا عن النساء باستثناء والدته التي تحمل في عينيها شيئًا لا عزاء له.
يقوم سالم ببعض الحيل لكسب المال، بالإضافة إلى تسجيله كموظف حكومي في وظيفة وهمية. لذا لا يستطيع الشكوى من الفساد الذي يدمره، لأنه هو كذلك فاسد. يقلب سالمهاتفه عندما يكون على إنستقرام بجوار عائلته بعد العشاء، لأن (لوغاريتماته) عبارة عن تناقض بين مقاطع الفيديو المؤيدة للفلسطينيين، والآيات القرآنية، ولقطات ريال مدريد، والمؤخرات في جميع الأوضاع، ومقاطع الفيديو للمناظر الطبيعية الليبية كأفضل وجهة في العالم، وصور سيلفي لأصدقائه في السيارات، في حفلات الزفاف، في المقاهي أو في رحلة إلى تركيا، وكذلك لقطات عشوائية لأثداء فتيات الشمال. سالم لا يعرف متى يمكن أن تظهر المؤخرة لذلك يخفي شاشته.
سالم، الذي يعيش حياةً بائسة ورتيبة كنهر صامت، يدعم فكرة اعتقال شابة ليبية رافقت زائرًا أجنبيًا في جولة تعريفيّة بعاصمة بلدها، تحت شمس الله الساطعة. وبالطبع، يوافق أيضًا على تغطية رؤوس الفتيات الصغيرات، ومنع النساء من السفر والضحك. من خلال التعليق على هذه المنشورات اليومية، يشعر سالم بالقوة وأنه جزء من القطيع.. سالم، الفتى الوحشي الصغير المسكين.
عزيزي سالم، إني عندما أخاطبك، فأنا أخاطب ذلك العار الذي يجعل منك حالة متوقعة للغاية.. أنت إحباط بهالات سوداء وقميص أرماني اشتريته بستين دينارًا. أنت لا شيء في نظر العالم، وفي نظر من يحكمونك كذلك، لا شيء في مستشفى أو قاعة محكمة، لا شيء في مطار أو مدرسة.. لا شيء بجوار برميل نفط. أنت لا شيء سوى “كبيدة أمك”.
أنت تشعر بالعار، وسيستغرق الأمر ساعات طويلة وأيامًا وربما حياتك وحياة أطفالك لفهم ذلك. لفهم أن هذا العار شأن سياسي وتاريخي، ولم يسكن يومًا جسد امرأة ليبية أو شعرها.. وأن احتقارك للنساء ما هو إلا تعبير عن احتقارك لنفسك.
*سلسلة (أقلام حرة) تمنح المساحة للكتّاب والكاتبات الهواة لعرض نصوصهم.
إرسال التعليق