ليبيا.. التوظيف السياسي “للأخلاق”
في ليبيا، حيث تُدار الحياة اليومية بالنجاة لا بالقانون، تحوّل استدعاء الفضيلة إلى ساحة صراع سياسي. ففكرة إنشاء أجسام مكلفة بحماية “الآداب العامة” أصبحت جزءاً من تقاليد السلطات الحاكمة في مراحل “الاختناق السياسي”، حين تتحول لغة الإصلاح إلى لغة الرقابة، وتُستبدل المواطنة بالطاعة، والحقوق بالمحظورات، في خطوة محسوبة لإشغال الرأي العام عن الأزمات التي تضرب البلاد، وتغذية صراع جديد حول من يملك حق احتكار تعريف الفضيلة.

ترى الباحثة أسماء خليفة أن “خيار الأخلاق يعد ثمرة متدلية في بلد مثل ليبيا. فبينما تُعد الأخلاق مسألة ذاتية على المستويين الفردي والمجتمعي، فإنها في المجتمع الليبي مسألة مسيّسة ومثيرة للجدل إلى حد كبير، إذ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسمعة والشرف والمكانة الاجتماعية، مما يجعلها أداة سياسية قوية للسيطرة والضغط، كما أنها أداة جنسانية للهيمنة الاجتماعية”.
تعددت أسماء وتبعيات الكيانات التي تتولى “حراسة أخلاق المجتمع”، وكان آخرها قرار المجلس الرئاسي في يوليو 2024، بإنشاء “جهاز حماية الآداب العامة” المتمتع بصلاحيات واسعة تشمل المراقبة والاحتجاز والسيطرة على أنشطة المجتمع المدني. ويخضع هذا الجهاز لإشراف “قوة الردع الخاصة”، المعروفة بسجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
وتشير أسماء، في مقالها “شرطة الأخلاق في ليبيا”، إلى أن “فهم قرار إنشاء شرطة الأخلاق لا بد أن يوضع أولاً في سياق الأزمة الاقتصادية والسياسية الأوسع التي تواجهها الحكومة الليبية، والعادة المتكررة في تقديم أكباش الفداء واعتماد آليات السيطرة لدرء التهديدات التي تواجه شرعيتها. تاريخياً، استخدم نظام القذافي أدوات مشابهة للحفاظ على السلطة، من بينها إنشاء اللجان الثورية التي ادعت سلطة مراقبة الأخلاق العامة وفرضها، ما أدى إلى تشديد قبضة النظام خلال فترات العقوبات الدولية والأزمات الاقتصادية. ويبدو أن النهج الذي تتبعه الحكومة الحالية هو امتداد لتلك الاستراتيجية، في محاولة لصياغة سردية جديدة حول التطورات الأكثر هشاشة في البلاد”.
تدفع هذه الرقابة الأخلاقية نحو تراجع محتمل في مجال الحقوق والحريات الفردية، خصوصاً بالنسبة للنساء، اللواتي غالباً ما يتحملن العبء الأكبر من هذه القيود، إلى جانب المجتمع المدني والنشطاء. تقول أسماء: “على الرغم من المعارضة الشديدة لقرار تشكيل جهاز حماية الآداب العامة من قبل النشطاء ومنظمات المجتمع المدني، فإن هذه المعارضة لم تحظَ بتأييد شعبي واسع، نتيجة سنوات من الحملات الممنهجة ضد المنظمات المدنية والنشطاء، خاصة أولئك الذين يدافعون عن حقوق المرأة”.
 
								


 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                    