“واتساب”.. مدارس بلك كتب
”أولادي يمشوا ويجوا للمدرسة ليهم أربعة أسابيع بدون فائدة”، يقول والدُ طالبين بالمرحلة الابتدائية في طرابلس لدروج، في تعليقه على مرور أكثر من شهر على انطلاق العام الدراسي دون توفر الكتب المدرسية. فما زال آلاف الطلبة في مختلف المراحل التعليمية يواجهون معاناةً مستمرة بسبب عدم توفر الكتب المدرسية الأساسية، في مشهدٍ بات يتكرر للسنة الخامسة على التوالي، ليعكس خللا واضحا في إدارة ملف يُعدّ من أهم ركائز العملية التعليمية.
وتقول آمال الترهوني، وهي والدة طفل في المرحلة الابتدائية لدروج، إن تطبيق “واتساب” تحوّل إلى فصول دراسية متنقلة، بعد أن أصبح التواصل بين أمهات الطلبة والمعلمات يتم عبر مجموعات في التطبيق، تُرسَل من خلالها صور بعض الدروس لتوضيح الواجب المدرسي، وصور للسبورة في محاولة لسدّ عجز الكتاب المدرسي.
تتعدد الأسباب وراء هذه الأزمة المزمنة بين تأخر الطباعة، ونقص أو فساد الميزانيات، وتضارب الصلاحيات بين الجهات المسؤولة عن التوريد والتوزيع. وفي الوقت الذي تتبادل فيه المؤسسات الرسمية الاتهامات، يجد الطلبة أنفسهم أمام واقع يضطرهم للاعتماد على النسخ المصوّرة أو المواد الإلكترونية غير الرسمية، ما يضعف جودة التحصيل الدراسي ويعمّق الفجوة التعليمية بين المدارس.
ولا تقتصر الأزمة على نقص الكتب فحسب، بل تمتد إلى غياب خطة واضحة لإدارة الموارد التعليمية وضمان وصولها في الوقت المناسب. والأخطر من ذلك نفي وجود أزمة من الأساس، إذ أكد وزير التربية والتعليم بحكومة الوحدة، علي العابد، أن “الحديث عن أزمة كتب مدرسية مجرد تشويش على جهود الوزارة”، وهو ما أثار استياء أولياء الأمور والمعلمين الذين يرون في هذا التصريح إنكارًا للواقع الميداني. هذه المعطيات مجتمعة تعكس غياب الرقابة والمساءلة، ما جعل من مشكلة الكتاب المدرسي حلقة ثابتة في سلسلة الإخفاقات التي تُربك انطلاقة كل عام دراسي دون حلول جذرية.
في المقابل، حاولت بعض المدارس والمعلمين إيجاد حلول بديلة عبر مشاركة المحتوى الرقمي وتبادل النسخ بين الطلبة، غير أن هذه المبادرات تبقى محدودة ولا يمكنها تعويض غياب الكتاب الرسمي المعتمد، الذي يظل الأداة الأساسية لضمان توحيد المناهج وتحقيق العدالة التعليمية بين مختلف المناطق.
وبينما تتواصل الوعود الحكومية بمعالجة الخلل خلال الأسابيع القادمة، يبدو أن أزمة الكتاب المدرسي قد تحولت إلى عنوان دائم مع بداية كل عام دراسي، في انتظار إرادة ورؤية حقيقية تضع المدرسة على رأس أولوياتها، وللطالب حقه في التعلم دون عراقيل موسمية متكررة في خضم التنافس على سرقة المال العام، وعوضًا عن بروباغندا مشاريع وحفلات “الدرون واللامبات”، في بلد ليس به -حقيقة ودون مبالغة- سيولة مالية ولا مدرسة ولا مستشفى عام يصلح لخدمة الناس.


