المصرف المركزي.. توزيع الفقر بعدالة
“خطة مُنظَّمة لتعميم الفقر وتجفيف جيوب الناس”، يقول أحد المواطنين تعليقاً على السياسات النقدية التي اتبعها المصرف المركزي خلال الأشهر الأخيرة لإنعاش قيمة الدينار وتوفير السيولة، لكن نتائجها -حتى اللحظة- تشي بتحوّل المصرف المركزي إلى معمل تجارب لنشر الفقر الممنهج.
أقدم المركزي على سحب أربع فئات محددة من العملة الليبية (الدينار، الخمسة، العشرين، والخمسين دينارا) من السوق، ضمن خطة إصلاحية تهدف إلى تخفيض السيولة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي وتقليل مخاطر التزوير وانتشار السوق الموازي.
اطبع ووزّع.. مش حل
وبالاطلاع على أحدث بيانات المصرف المركزي الصادرة هذا الأسبوع، أظهرت توزيع 82.4 مليار دينار كسيولة نقدية منذ مطلع العام وحتى نهاية سبتمبر، فيما قال المركزي في بيان منفصل أنه أبرم عقود طباعة 60 مليار دينار لتدارك ما سُحب من عملة هذا العام والمقدَّر بـ47 مليار دينار لتشمل كافة الفئات.
وأوضح المركزي أنه استلم فعلياً 25 مليار دينار، وقام بتوزيعها على المصارف، ويجري العمل على توريد 14 مليار دينار خلال الفترة الحالية وإلى نهاية 2025، على أن يستلم 21 مليار دينار إضافية في 2026.
وفسر مراقبون إصدار مصرف ليبيا المركزي مثل هذه البيانات وقت حدوث الأزمة التي بات عمرها 14 عاماً، وكأنها رسائل تطمين للمواطنين وسط قلق وفقدان الثقة في سياسة المركزي.
أوراق نقدية بلا سجل
سجّل المصرف المركزي وجود 10 مليارات دينار مجهولة المصدر في جميع الفئات، ووصفها بأنها “مزورة”. تشكل هذه الأوراق النقدية تهديدًا مباشرا للاقتصاد المحلي الهش أساسا، إذ يزيد انتشارها خارج إشراف المصرف المركزي الفوضى النقدية، ويضغط على قيمة الدينار، ويرفع تكلفة المعيشة، كما يضعف ثقة المواطنين في النظام المالي ويعقّد مكافحة غسيل الأموال والأنشطة غير القانونية.
سياسة نقدية بنكهة التجويع الوطني
بعد التزام المواطنين بتعليمات المصرف وإيداع مدخراتهم النقدية من العملات المستهدفة بالسحب، قابلتهم آلات السحب بإشعارات تعذّر العملية. أما فروع المصارف فاستقبلتهم بأبواب مفتوحة وخزائن مغلقة، وشبابيك بإطلالة “طُوبَرَة” تُدرَّس في فن هندسة الفقر. كما تعالت الشكاوى من بطء وأحياناً تعطل الخدمات الإلكترونية والبطاقات المصرفية التي يبدو أنها لم تكن مهيأة لتلبية الطلب المتزايد.
14 عاماً من الخبرة في فقدان الثقة
المحصلة الوحيدة الثابتة لتخبطات القطاع المصرفي منذ عام 2011 حتى يومنا هذا؛ تكمن في انهيار ثقة الليبيين في القطاع، ويظهر ذلك بوضوح من “صْريرات الكاش” التي أُخرِجت من المنازل بعد كل إعلان للمركزي عن سحب العملات المذكورة سابقا.


