×

العيد في أوباري: مهرجان للتنوّع والبهجة

Eid Ubari Header

العيد في أوباري: مهرجان للتنوّع والبهجة

بقلم / عبد المنعم الجهيمي.

يوم العيد مختلف عن غيره من الأيام في كل البقاع، ولكن هذا الاختلاف يشمل جوانب مغايرة هنا في مدينة أوباري جنوب ليبيا، هذه المدينة التي اختلطت فيها ثقافات العرب والتبو والطوارق، فشكّل لديهم تنوعاً مختلفا في العيد والمناسبات الاجتماعية المتنوّعة التي تشهدها مدينتهم.

في الأيام العادية قد لا يتسنى للناظر التفريق كثيرا بين المارّة من أهل المدينة، فالجميع منشغلون بهموم حياتهم وتفاصيلها، ولن تتنبّه لملابسهم واختلافها، إذ اتفقنا أن اللباس هو أحد أهم مظاهر التنوع الثقافي، هذا ما تحدثنا عنه الناشطة فاطمة المهدي وهي عضو هيئة تدريس بجامعة سبها قسم علم الاجتماع، وتقضي فترة العيد في مدينة أوباري منذ أكثر من 20 عاما.

تقول فاطمة حين أخرج للمدينة يوم العيد ينتابني شعور بالفرح مع رؤية مجموعات الناس بألبسة مختلفة يتبادلون التهاني والتبريكات، كوني أقطنُ في حي عربي بالقرب من الديسة شرقي المدينة يجعلني شديدة الملاحظة لأزياء من يشاركوننا العيد.

Eid Ubari Prayers

فالعرب هنا تعودوا لباس القميص القصير للركبة مع الفرملة، ويعدون هذا الزي بعناية ليوم العيد، في حين يلتزم التبو والطوارق بلباسهم المعتمد أساسا على القرنبوبو، وهو في العادة ثوب مرتفع الثمن، قد يقضي أحدهم عاما كاملا لتأمين مستحقاته وتجهيزها، وبعضهم يكتفي بثوب العيد عاما أو عامين.

في السنوات الاخيرة بدأ شباب من العرب في ارتداء أزياء غير ليبية، كالأثواب العمانية والإماراتية والأفغانية، وبعضهم يرتدي أزياء من دول أفريقية كتشاد والنيجر، أما التبو والطوارق فيكاد لباسهم متسقا مع بني جنسهم في بقية دول الصحراء.

وتضيف فاطمة أن خروج الاهالي بهذه الاثواب يضفي جمالية على المنظر العام لشوارع المدينة، لا يقل عنه جمالية ما تشهد المنازل، من مباركات النساء، كانت نساء العرب الأقل تمسكا باللباس التقليدي في الأعياد، فظهرت الفساتين الخليجية والمغربية والتونسية، وإن شهدت الفترة الأخيرة عودة للزي التقليدي وهو عبارة عن الرداء بأنواعه المختلفة، في حين لاتزال نساء الطوارق والتبو أكثر تمسكا بلباسهن، سواء كن فتيات في مقتبل العمر أو نساء متزوجات.

قد تجلس في أحد البيوت الأوبارية لتشاهد تارقية وتباوية وعربية يتبادلن التهاني ويستمتعن بترديد كلمات من لغاتهن المختلفة، هذا المشهد تقول فاطمة لم يكن مألوفا بذات الدرجة قبل عشر سنوات أو أكثر، فقبل ذلك كان التواصل نمطيا في المؤسسات الحكومية والدوائر الخدمية والسوق، وتعزز التباعد مع الحرب التي شهدتها المدينة لقرابة العامين.

Eid Ubari Oldman

بعد الحرب، شهدت أوباري حركة توعوية كبيرة، شاركت فيها مؤسسات مجتمعية ومنظمات دولية، عملت ضمن برامج متنوعة لتعزيز ثقافة تقبل الاخر التعايش السلمي، في ذات الوقت بدأت حركة تنمية واضحة ساهمت فيها المنظمات الدولية التي بدأت مشاريع تنموية لبناء المدارس والمراكز الصحية القروية، والبرامج التي دعمت المشاريع الصغرى للشباب.

كل ذلك زاد من الاحتكاك والاختلاط بين سكان المدينة ووجدوا أنهم يلتقون في البناء والعمل بعد الحروب، وهو ما زاد فرص التواصل والتبادل المعرفي، وجعل العيد أكثر إبهارا كل عام.

في صباح العيد، تستعد الناشطة خديجة عنديدي لإعداد اللحوم التي توزعها كعادتها في كل عيد، تقول عنديدي: إن من عادات الطوارق أن يذبحوا ليلة العيد أو يشتروا كميات من اللحوم ليوزعوها صباح اليوم الأول على الجيران والأقارب، هذه العادة المتوارثة استمرت حتى في سنوات الحرب، وإن كانت بشكل أقل حجما وتأثيرا بسبب نزوح الكثير من سكان المدينة آنذاك.

يأخذ العيد شكله المعتاد عند الطوارق بعد انتصاف اليوم حيث تجتمع العائلات الصغيرة في بيت الجد كعادة كل سكان المدينة من مختلف المكونات الاجتماعية، ولكن ظل ذلك المشهد المختلط في الزيارات بين الجيران والأقارب، خاصة وأن السنوات الأخيرة شهدت عودة واضحة للأحياء المختلطة بين العرب والطوارق والتبو، وهو ما فرض عيدا مختلفاً ومبهجاً للجميع تقول عنديدي.

لعل أوباري كانت فريدة في عيدها بسبب تنوّع ثقافتها والحرب التي عاشها سكّانها، ولكن بقية مدن ومناطق الجنوب تشهد عيدا بذات الحميمية وإن كان بين ذات الثقافات، فغالب المناطق هي قرى صغيرة أو متوسطة لا تشبه مدينة سبها عاصمة الجنوب، فكانت الأعياد فيها بسيطة ومحافظة على كل التفاصيل الحياتية التي تعودها الناس.

Eid Ubari Beaytiful

يقول عضو هيئة التدريس بقسم التفسير بجامعة سبها مسعود عبد القادر إن حتى سكان سبها والذين ترجع أصولهم لبقية قرى الجنوب، يفضلون قضاء العيد في قراهم ومناطقهم، فهم يشعرون بحميمية العيد ودفئه في هذه القرى أكثر من المدينة، خاصة تلك القرى التي لاتزال الحياة فيها بسيطة تعتمد على الزراعة وبعيدة عن تعقيدات حياة التجمعات المدنية الكبرى.

وهم في ذلك لا يختلفون، يقول مسعود الذي أكّد أن هذا الأمر يعيشه غالب سكان الجنوب عربا وتبواً وطوارق من سكان القرى والمناطق البعيدة والقريبة من مدينة سبها، وسننتظر كثيرا قبل أن تنتقل عدوى المدينة للقرى التي بدأت تكبر وتتخذ شكل المدينة، براك الشاطئ والغريفة وتراغن وغيرها.

من الصعب أن نضع للعيد وفرحته والتنوع الثقافي في الاحتفال به، من الصعب أن نضعه تحت ذات المعيار، فمع اختلاف السياقات المجتمعية والخلفيات الثقافية والتنوع المعرفي للمكونات يصبح للعيد أكثر من صورة وأكثر من اعتبار قد تختلف جميعا، ولكنها تظل صورا متنوعة للاحتفال الذي ينتظره الجميع ويجتهدون في عيش كل تفاصيله.

تعليق واحد

comments user
بداية

بالتوفيق

إرسال التعليق