التمييز المقنّع: عن قضية المساواة في الأجر في ليبيا
إعداد / محمّد الصويعي.
تعدّ المساواة في الأجر من أهم معايير العدالة الجندرية، ومحرّكا رئيسيا للمساواة بين الجنسين، وقد لوحظ -وفق إحصائيّات عالميّة- وجود فجوات جندريّة واسعة للأجور تصل إلى 20٪.
من المفترض أن يكون الأجر مساويا للجميع عن العمل المتساوي، بغضّ النظر عن جنس العامل/ة. وتكون المرجعيّة؛ لمبادئ المساواة في الحقوق والمكتسبات والفرص، والحريات بمجالَيْها المدني والسياسي.
والمقصود بالمساواة في الأجر عن العمل المتساوي، وبكل بساطة؛ أنّ المرأة من حقها أن تتقاضى نفس الأجر الذي يتقاضى عليه الرجل عند القيام بالعمل نفسه (نفس العمل = نفس الأجر)
وفي هذا المقال، نستعرض تجارب من ليبيا ورأي مختصّ، ترى فيه الضيفات أنّه مُورس عليهنّ تمييز جندري في الدخل. مع علمنا الكامل أنّ هذه التجارب ذاتيّة، وعيّنات محدودة، ولا يُمكن تعميمها -بالمطلق- دون دراسة أوسع.
مدخل: خصوصيات الحالة الليبية
في ليبيا، يبدو الأمر أكثر تعقيدا، من جهتين:
الأولى: غياب إحصائيّات للمداخيل السنويّة للأفراد في ليبيا، حسب الجندر أو الجنس، فمن الصعب تحديد مؤشرات للفجوة الجندرية في الأجور (Gender Pay Gap) في الأجر الذي يتقاضاه الفرد في ليبيا بناء على ذلك.
الثانية: أنّه من مميّزات التشريع الليبيّ، أنّ قانون المرتبات موزّع وفق نوعية العمل والدرجة الوظيفيّة، ولا اعتبار في تحديد الدخل للجندر (نوع اجتماعي) أو الجنس (بيولوجي).
ومع ذلك، يبدو جليّا، سيطرة الرجل وأغلبيّته، على المناصب السياسيّة والسياديّة، والإدارات العُليا، الأمر الذي يعني بالتأكيد، دخلا أعلى له مقابل مداخيل المرأة.
صانعة محتوى: نفس العمل بأجر أقل
نُهى (اسم مستعار بناء على رغبتها، 23 عاما، طرابلس) طالبة طبّ، تحاول الاعتماد على نفسها بالاستقلال المادّي. تعترف نهى ابتداء: “إنّ سوق العمل الليبي تنافسي واستغلالي، كما يعتمد بدرجة كبيرة على العلاقات.”
توضّح نُهى: “نواجه صعوبات مع مدراء العمل، ديما يحاول يخلي الوصف الوظيفي عايم ومش واضح باش يقدر يحرث عليك” مضيفة: “خدمتي هيّا صناعة محتوى والإشراف على صفحات التواصل الاجتماعي لإحدى المنظمات المحليّة، أنا وزميل لي، فوجئتُ لمّا عرفتُ إنّ زميلي يتقاضى مرتب أكثر مني، مع إنّ الوظيفة واحدة!!”
تسترسل نُهى بحدّة: “لمّا واجهت المدير، قاللي طبيعي وحاول يبرر إنه يخدم أكثر مني وبعد ما واجهته بحجم عملي والعقد الموحد، قاللي ماهو راجل!!”
تستدرك نهى مؤكدة أنّه ليس كلّ مدراء العمل كذلك، ولكنهّا تؤكّد -حسب تجربتها- أنّ بيئة العمل بالنسبة للمرأة في ليبيا، صعبة جدا، ويتم التقليل من شأنها، ويتوقع منها أن تقبل وتسكت وترضى، وكأنّه تفضل من جهة العمل وليس حقا.
وتختم بحسرة: “وللأسف حتى الأهل والتنشئة مشاركين في ذلك“
صيدلانيات مظلومات، والحل بيد النقابة
آمنة صيدلانيّة تعمل في إحدى صيدليّات بنغازي. تقول: إنّ العمل في الصيدليّات الخاصّة، يكون بالساعة، ويختلف سعر الساعة حسب الخبرة والكفاءة واليوم (للجمعة سعر خاص) وهذا ما لا تعترض عليه.
لكنّ آمنة تواجه دائما مشكلة احتساب أصحاب الصيدليّات سعر الساعة للنساء بأقل من سعر الذكر، وتقول: إنّ هذا ظاهرة عامّة وليس حالة فردية، على الرغم من أنّ الصيدلانيات النساء مشهود لهن بالكفاءة الخبرة.
وعندما سألنا آمنة عن أسباب ذلك حسب وجهة نظرها، قالت:
“الرد المعتاد من أصحاب الصيدليات إن عدد الذكور الصيادلة قليل وهناك منافسة، بينما عدد النساء الصيدلانيات كثير، والتي لا يعجبها المرتب سيأتي غيرها، ولكنّها ترد على ذلك أنّ أجرة العمل يجب أن تكون حسب الكفاءة والمجهود ولا يصح استغلال الناس تحت اعتبارات أخرى.”
كما لاحظت آمنة، تململ أصحاب الصيدليات في زيادة سعر الساعة ومماطلتها -مقارنة بالذكور-. وعند سؤالها عن آليّات لحل المشكلة، قالت: “من المفترض أن يكون لنقابة الصيادلة دور في الحل، والاهتمام بتعزيز المساواة بين الجنسين، وإلا فستبقى الصيدلانيات مضطهدات تحت سلطة أرباب العمل (غالبيّتهم من الذكور بالمناسبة) حتى إشعار آخر.”
الوضع أكثر تعقيدا مما يبدو، هرمية التركيبة الاجتماعية
“الأمر معقد” هذا أول رد من د. سليمة الجفال (كلية الآداب طرابلس) حول قضيّة التمييز الجندري في ليبيا، والتي تعتبر المساواة في الأجر أحد مظاهرها.
تقول د. سليمة: “من المهم معرفة ظروف التنشئة الاجتماعيّة والبيئة المحيطة؛ لفهم أعمق لقضية المساواة في الأجور” ثم تضيف:
“هناك قيود كثيرة على المرأة، تجعل من فرصها أقلّ من فرص الرجل. المرأة في الغالب يتحكم أهلها في تخصّصها ثم يتحكم زوجها في عملها ثمّ يتحكم أولادها ومسؤولية تربيتهم، في إكمال دراستها.”
“طريق المساواة يبدأ من تصحيح المسارات الاجتماعيّة (مثلا: المسؤوليات المتكافئة المشتركة بين الزوجين، حضانات أطفال مدعومة الثمن، وسائل تنقل آمنة) وتعزيز الاستقلال المادي للنساء، وتوفير فرص للنساء في المناصب القيادية والسيادية والإدارات العليا.”
خاتمة
تتجلّى صعوبة التأثير على القطاع الخاص في ليبيا، كونه محكومٌ بالأعراف الرأسمالية من حيث الشكل، ما يجعله متأثّرا بشكل كبير بالمعايير الذاتية لصاحب العمل، الذي يستمدّ كثير منهم قيمه من الأعراف والتقاليد الاجتماعيّة، والتي في مجملها متحيّزة للذكر على حساب الأنثى. وما لم تكسر الدائرة، سيكون التغيير صعبا، ولكنّه غير مستحيل.
تعليق واحد