×

جنسية الأمهات: حق المساواة، والمستقبل المشترك

Cover Husam Drooj

جنسية الأمهات: حق المساواة، والمستقبل المشترك

بقلم / حسام الثني

يقودنا الحديث عن حق أبناء الليبيات وبناتهنّ في نيل الجنسية الليبية؛ إلى جُملة من الأسئلة الجوهرية التي لا بدّ من نقاشها بقدر من الحكمة والتريث. يحاول هذا المقال البحث في بعض هذه الأسئلة:

سؤال المساواة في المواطنة:

لربط سؤال المساواة بقضية المواطنة؛ لا بدّ أولا من الوقوف على حقيقة أن قضية منح الجنسية لأبناء الليبيات وبناتهنّ؛ تنطوي على جزأين اثنين:

  • الجزء الأول: حق أبناء الليبيات وبناتهنّ في نيل جنسية الأمهات. (حق الأبناء)
  • الجزء الثاني: حق المواطِنة الليبية – نفسها – في تمرير جنسيتها إلى أبنائها، أُسوةً بالرجل. (حق الأمهات).
Libyan Woman Drooj

حق الأبناء:

يقودنا الجزء الأول، الخاص بالحق الإنساني لأي فرد لنيل جنسية أمه، أو أية جنسية في دولة يسعى إلى الانتماء إليها؛ إلى سؤال الـمُشْتَرَك الوطني، وهو سؤال جوهري يمكن صوغه على هذا النحو:

(ما الذي يجمعنا: الماضي المشترك، أم المستقبل المشترك؟)

لقد نجحت الشعوب التي أعادت بناء التلاحم الاجتماعي وفق المصلحة المشتركة، في نقل العقد الاجتماعي من سرديّة التاريخ المشترك واللغة المشتركة والدين المشترك والعرق المشترك إلى سرديّة المستقبل المشترك.

أي أنها لم تعد تكتفي بالمشتركات السابقة التي توارثها أفراد المجتمع على ترابه الوطني أبًا عن جَدّ، بل جعلت أساس الترابط الوطني هو الاتفاق على (مستقبل مشترك) لكل أفراد المجتمع، على التراب الوطني، أو بعبارة أخرى (المصلحة المشتركة) لكل أفراد المجتمع، على التراب الوطني، بصرف النظر عن أصول هؤلاء الأفراد، أو انتماءاتهم الجانبية، الاثنية والثقافية.

وعليه، فحق الجنسية في تلك الدول يُمكن أن يُـمنح للمواليد، وللأزواج الأجانب والزوجات، وللمهاجرين، ولذوي الكفاءة النادرة، وفق اشتراطات تضمن انصهارهم الحقيقي في النسيج الاجتماعي الثقافي، دون زعزعة التلاحم، ووفق ضوابط تصبُّ في مصلحة المستقبل المشترك، وهي بذلك مُنَظَّمة بتشريعات، ومضبوطة بإجراءات تحدُّ من أية أضرار جانبية مُحتملة.

الجنسية إذن (وضع قانوني)، لا يشترط بالضرورة رابطا من الماضي، وهو مفصول تماما عن الموروث الجيني وما يتبعه من أنظمة النَّسَب والجذور البيولوجية. ولا يتّسق بالتوجّهات العنصريّة، ونزعات الارتياب من الآخر وغياب الثقة.

Ring KJ

حق الأمهات:

في هذا الجزء نكون قد وصلنا إلى سؤال المساواة في المواطنة، الذي يمكن صوغه على هذا النحو:

(هل تقف المرأة الليبية على قدم المساواة مع الرجل الليبي في المواطنة؟)

يندرج هذا السؤال ضمن سؤال أكثر عموما: هل كل المواطنين الليبيين متساوون في حقوق المواطَنة وواجباتها؟ لنقاش هذا السؤال لا بدّ أولا من فهم ماذا تعني مفردة “مواطَــنَة“:

يمكن النظر إلى المواطنة على أنها (الحالة القانونية التي تترتب عن عضوية فردٍ ما في دولةٍ ما)، وتستلزم هذه العضوية – الـمُعتَدّ بها قانونا – استحقاق ذلك الفرد لمجموعة من الحقوق، والتزامه بمجموعة واجبات، ويشترط في ذلك مبدأ المساواة، أي أن الفرد لا بدّ أن يتحصل على حقوقه وأن يؤدي واجباته؛ على وجه التساوي مع باقي أفراد المجتمع في الدولة التي ينتمي إليها، دون أي تمييز.

تشمل حقوق المواطنة: الحقوقَ المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، بما تتضمن جميعا من حقوق كامنة؛ كحق الفرد في العدالة، وحقه في الامتلاك المشروع، وحق الوصول إلى الخدمات العامة بما تشتمل من خدمات صحية وتعليمية وثقافية ودينية، وحق العمل، وحق المشاركة في الحياة السياسية، وحق الانضمام إلى المؤسسات المدنيّة، وحق الحصول على الوثائق الرسمية، وحق الجنسية، وغيرها من الحقوق.

وبالنظر إلى ما سبق؛ يمكن القول إن قيمة المواطَــنَة للمرأة الليبية، ستظل منقوصة ما لم يستوفِ الـمُشَرِّع الليبي كامل حقوقها، بما تشتمل من حق المساواة، وحق منح الجنسية لأبنائها، وما يترتب عنه من حق الأمهات في توريث الأملاك، وحق أطفالهن في الاستفادة من خدمة الضمان الاجتماعي، أو التضامن، أو التأمين الصحي، أو أية امتيازات تُـمنح لباقي شرائح المجتمع.

Violence Against Women Drooj5

الوضع القانوني:

يقودنا السؤال الخاص بالوضع القانوني في ليبيا، إلى ضرورة النظر إلى المادة 2، والمادة 11، من القانون رقم (24) لسنة 2010، بشأن أحكام الجنسية، وهو قانون ساري المفعول، وبديل عن قانونين سابقين (القانون 18 لسنة 1980، القانون 17 لسنة 1954)، يمكن تلخيص أهم نقطتين في الآتي:

المادة 2: “يعد ليبيا وفقا لأحكام المادة السابقة كل شخص كان مقيما في ليبيا إقامة عادية، في 07/10/1951، ولم تكن له جنسية أو رعوية أجنبية، إذا توافر فيه أحد الشروط الآتية:

  • أن يكون قد ولد في ليبيا.
  • أن يكون قد ولد خارج ليبيا، وكان ((أحد أبويه)) قد ولد فيها.
  • أن يكون قد ولد خارج ليبيا، وأقام فيها إقامة عادية لمدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية قبل 07/10/1951″.

المادة 11: “يجوز منح أولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من غير الليبيين الجنسية الليبية، وتحدد اللائحة التنفيذية الضوابط اللازمة لتنفيذ هذه المادة”.

بالنظر إلى المادة 2، يمكن ملاحظة أن روح القانون الليبي منذ التأسيس، تَعْتَدّ بمنح الأم الجنسيةَ لأبنائها، وهو ما يمكن الوقوف عليه في عبارة (أحد أبويه).

وفيما يخص المادة 11؛ على رغم أنها لا تفيد بمنح تلقائي للجنسية، عوضا عن أن القانون ذاته غير محمي بمادة دستورية صريحة تكفل حق الأمهات في منح الجنسية للأبناء؛ نجد أن اللائحة التنفيذية تشرح آلية منح الجنسية الليبية لأبناء الليبيات، وفق حالات مختلفة، عبر تقديم طلبات التجنيس إلى “مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب”.

Equality Drooj

السؤال إذن: ما الذي يعرقل مساعي تسوية أوضاع مستحقي الجنسية، تحت هذا الوضع على أقل تقدير؟

هل يمكن أن نَرُدَّ الأمر إلى النظرة الثقافية السائدة، التي ترى أن الذكر كامل القوامة، وأن المرأة كائن جانبي ناقص لا بدّ من الوصاية عليه؟ هل للنظام الاقتصادي الريعي أي دور في هذا التعقيد الذي يرفض إشراك الغرباء في ما يراه البعض ميراث الأجداد؟

وهل يمكن اعتبار الإجراءات التعسفية ضد الأم الليبية المتزوجة من أجنبي؛ ضربًا من ضروب العقوبة التي لا بد أن تنالها كل فتاة تخرج عن دائرة الأقارب؟ وهل مخاوف تهديد الأمن القومي وخلخلة النسيج الاجتماعي، هي مخاوف حقيقية بقدر يستلزم ضرب حقوق فئة مجتمعية محدّدة عرض الحائط؟ أم أن هذه المخاوف ليست أكثر من ذرائع نفسية لتبرير رفض ثقافي متجذّر ذي طابع متخلف ومنغلق؟

Diversity Drooj

خاتمة

الثابت، في كل الأحوال، أن منح الجنسية لمستحقيها من أبناء الليبيات وبناتهنّ، هو التزام إنساني بالدرجة الأولى، وإجراء نفعي بالدرجة الثانية؛ يعود بالنفع على المجتمع والدولة، من زاوية أنه يدعم التنوع الثقافي والمعرفي والإنساني عموما، ويزيد بالتبعية إسهام الثقافة المحلية في عموم الثقافة العالمية.

وحق الأم الليبية في منح الجنسية لبناتها وأبنائها حق أصيل، لا يمكن فصله عن باقي حقوقها الإنسانية، بما تتضمن من حقوق مواطنة، ولا يمكن مصادرة هذا الحق تحت أية ذريعة، بل إن أسوأ المخاوف الممكنة المترتبة عن تلبية هذا المطلب؛ يمكن درؤها بتدابير جانبية، تدابير هي الضامن الحقيقي لصون أمن الوطن، وعدالته تجاه أفراده.

إرسال التعليق