صراع المذاهب الدينية في ليبيا
لا يكتفي الصراع المذهبي في ليبيا بالتنافس على إمامة المساجد بين مشائخ المذاهب المختلفة، بل يتعدّاه إلى التنافس على إدارة المؤسسات الدينية في البلاد: كصندوق الزكاة ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، بالإضافة إلى الصراع على النفوذ الاجتماعي، حيث تحولت المسألة الدينية إلى أداة سياسية تتقاذفها الفصائل المتحاربة في ليبيا لتثبيت سلطتها اجتماعيا، باعتبارها -أيضًا- صاحبة حق سماوي في الوجود والتسلط.
وانقسم المجتمع الليبي إثر ذلك إلى نصفين: نصف يتمسك بالهوية المالكية والصوفية باعتبارها إرثا ثقافيا للمنطقة، ونصف آخر يتمسك بالمذهب الحنبلي متمثلا في مشائخ متأخرين نسبيا كمحمد بن عبد الوهاب (الوهابية) وربيع المدخلي (المدخلية)، حيث انتشرت هذه المذاهب داخل البلاد كالنار في الهشيم مسيطرة على المنابر والمساجد ومتنافسة على النفوذ فيما بينها.
ورغم ظهور هذه الانقسامات قبل 2011 (خاصةً بعد تبنّي نجل القذافي “الساعدي” للتيار السلفي في ليبيا)، إلا أن فوضى السلاح وتعدد أطراف النزاع في ليبيا اليوم خلق واقعًا جديدًا؛ فقد أدت هذه الانقسامات المذهبية إلى أعمال عنف طالت رموزا تاريخية وأضرحة، كما أدت إلى حدوث تعديات متفرقة على أئمة المساجد، فيما اضطلعت التشكيلات العسكرية المتناحرة في هذه المعارك عن طريق حملات الاعتقال وعن طريق السيطرة على الأجهزة الأمنية ونزع صفة الحيادية عنها، ووسمها بالتبعية إلى مذهب ديني محدد.
ويعيش المجتمع الليبي بسبب ذلك حالة من “التشتت الديني” الذي أدى إلى تحولات كبيرة في الهوية الدينية للبلاد، وقاد إلى ترسيخ الدين كأداة للصراع تستغلها التشكيلات المسلحة وأصحاب النفوذ في ليبيا لتمرير سياساتهم الانتهازية وحشد الدعم الشعبي لها.
إرسال التعليق