إعلام بديل … لوقف هيمنة السلطة والمال
بقلم / إنتصار البرعصي
بعد أن احتكرت وسائل الإعلام المعلومات وتولت توجيه موضوعاتها وزوايا طرحها بما يتناسب مع مصادر تمويلها حكومية كانت أم خاصة، دافع الإنسان عن حقه في حرية التعبير بتأسيس إعلام بديل يرفع صوته.
ويمكن تعريف الإعلام البديل بأنه إعلامٌ مستقلٌ يقدم معلوماتٍ بديلة عن السائد، المتمثل في الإعلام الحكومي والإعلام الخاص؛ من خلال وسائل متعددةٍ مثل الصحف، والراديو، والتلفزيون، والمجلات، والأفلام، والإنترنت، وغيرها.
كما اعتبره كثيرٌ من البحاث، إعلاما موازيا للإعلامين “الحكومي والتجاري”، إلا أن الإعلام البديل يختلف عن الإعلام السائد في عدة أوجهٍ منها: المحتوى، والناحية الجمالية والاحترافية، وأساليب الإنتاج، وأنماط التوزيع والعلاقات مع الجمهور.
ويعتقد البعض بأن الإعلام البديل إعلامٌ حديث النشأة، في حين أن الإعلام البديل بدأ كوسيلة إعلامية تختص بالطبقة العمّالية أواسط القرن الثامن عشر في الفترة من 1960 إلى 1970.
وقد ظهر هذا النوع من الإعلام استجابةً لحاجة الناس للديمقراطية، ووجّه محتواه للوقوف في وجه دكتاتورية السلطات وفسادها، ليصبح ممثلا للفئات المهمشة، ولنصرة القضايا المجتمعية.
وتندرج العديد من التصنيفات تحت مسمى الإعلام البديل، ومنها ”إعلام المعارضة، الإعلام العرقي، الإعلام المحلي، الإعلام المجتمعي، وغيرها“.
هُويّة الإعلام البديل
يمكن مناقشة هوية الإعلام البديل من خلال خصائص عدة، أولها علاقته بالمجتمع إذ إنه يهدف لخدمة المجتمع، من خلال إعطاء الاشخاص العاديين فرصة سماع أصواتهم والتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم.
فيما تصنفه خاصية الانتماء كإعلامٍ مكمّلٍ للإعلام السائد الممثل لأيديولوجيات الدولة ورجال السياسة ورأس المال، بينما يمثل الإعلام البديل توجهات وأفكار الأقليات المحرومة، تلبية لحاجة الجماهير للتعبير بحرية.
أما خاصية استقلاله فتصنفه مؤسسة مجتمعٍ مدنيٍ، تمنح المواطنين مساحةً للتعبير عن آرائهم، ذات الصلة الوثيقة بحياتهم اليومية.
كما يقوم الإعلام البديل على ثلاث قواعد تتمثل في: رفض الرأسمالية، ورفض الخلفية المؤسساتية، ورفض الاحتراف.
وقد أتاح الإعلام البديل الفرصة للأفراد لصنع وسيلة إعلامٍ خاصةٍ بهم، سهلة الانتشار ورخيصة التكلفة، ربما بهاتف وحساب سوشيال ميديا أو مدونة فقط.
مع تطوّر وسائل الاتصال الحديثة وأبرزها الإنترنت والذي أصبح وسيلة ناطقة باسم وسائل الإعلام التقليدية أيضاً، اكتسب الإعلام البديل من خلال هذه الوسائل خاصية التفاعل مع المستخدمين من خلال التعليقات والمشاركة.
كما ساهم الإنترنت في منح الإعلام البديل في شكله الرقمي أفضلية سرعة نقل المعلومة، مما جعله يتفوّق على وسائل الاعلام التقليدية من صحف وتلفزيون وراديو، والتي تخضع المعلومات فيها للتدقيق وفق دورة عمل صارمة قبل النشر.
الباحث والصحفي محمد خليفة والمتحصّل على دبلوم الإعلام الرقمي من الجامعة الأميركية يعلق من خلال تجربته المهنية بقوله:
”لا شك في أن الإعلام الرقمي ساهم بشكلٍ واسعٍ في إمكانية النفاذ للمعلومة، وشكّل براحاً للتعبير عن وجهات النظر، وإثبات الوجود لعديد الأشخاص ممن كانوا سابقاً لا يجدون مساحاتٍ خاصة بهم في وسائل الإعلام المختلفة“
وقد شبّه، الباحث محمد، الحساب الشخصي على الفيسبوك أو أي منصةٍ أخري بـ”الصحيفة“ التي يتولى مالك الحساب صفة رئيس التحرير فيها، ويمارس دور الرقيب وحارس البوابة، من خلال السماح بدخول أشخاص معيّنين بمعايير خاصة.
ويرى الباحث أن للإعلام الرقمي -باعتباره شكلاً من أشكال الإعلام البديل- عيوباً، فكما يراه قوياً ومؤثراً، فإنه يحذّر من خطورة توظيفه بشكل خاطئٍ أو غير أخلاقي.
ويضيف الباحث ”انخفاض تكلفة الإعلام الرقمي ساهمت في إتاحة امتلاكه وإدارته، فلن يكلفك إنشاء صفحة على فيسبوك سوى بضع دقائق وبضعة “ميجابايتس” من أي خط إنترنت حتى وإن كان ضعيفاً، لتكون بذلك منصةً تتيح نشر محتوى مكتوبٍ ومسموعٍ ومقروءٍ! وفي أقل من خمس دقائق! “
وعن دور الإعلام الرقمي في مرحلة التحول السياسي في ليبيا يعلق الباحث قائلاً ”قد ساهمت مواقع التواصل في دعم حرية التعبير، وكشف الفساد، وفي المقابل انتشرت مليشيات إلكترونية هدفها التلاعب بالرأي العام وتضليله“
ويضيف ”لعل أهم المخاطر التي نواجهها غياب التوعية بضرورة التحقق من المعلومات الواردة في منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، الأمر الذي دفع بالعديد من الشائعات إلى الرواج على أنها حقيقة“
احتكار المعلومات
ساهم استيلاء السلطة والمال على المؤسسات الإعلامية في احتكار المعلومات، ومن ثم إنتاجها في قوالب إعلامية تتماشى مع السياسات التحريرية لهذه المؤسسات بما يخدم مصالحها وأهدافها.
وهنا برز دور المواطن العادي ليكون مصدراً للمعلومات، وليصبح الجمهور في الإعلام البديل منتجاً للمحتوى، بتكلفةٍ بسيطةٍ، وفي أحيانٍ كثيرةٍ من دون تكلفةٍ على الإطلاق، وليتلاشى بهذا الفرق بين منتج المحتوى والجمهور.
وليصبح واضحاً أن صحافة المواطن والتي تزوّد الإعلام البديل بالمعلومات، تتعلق بمشاركة غير المهنيين في إنتاج المادة الإعلامية، دون أن يخضع المنتج للرقابة أو التدقيق من خلال هيكلية مؤسسية.
ولاتزال فلسفة وسائل الإعلام البديل خاضعة للتفسير وللتطور، كونها صحافة تفسيرية غير محترفة، يكمن دورها في إفساح المجال لسماع أصوات ووجهات نظر تتحدث باسم قضاياها، مقابل ما يسرده الإعلام السائد، وفق وجهة نظره وسياساته.
إرسال التعليق