×

من يخرج أهالي المختفين القسريين من دائرة اللوم واليأس؟

Enforced Disappearance Drooj

من يخرج أهالي المختفين القسريين من دائرة اللوم واليأس؟

إعداد / إنتصار البرعصي

أثناء إعداد التقرير التقيت بأخت أحد ضحايا الإخفاء القسري، والتي رفضت إجراء المقابلة قائلة:

”ما الذي فعلته كل الأخبار والتقارير التي تم نشرها عن معاناتنا، فأخي اختفى منذ 10 سنوات، ولم تجدي مناشداتنا نفعا، ولم يتمكن المدافعون عن الحقوق ممن تواصلنا معهم من الكشف عن مصير أخي“.

فقدت هذه العائلة ابنها الذي يصنف ”مختفيا قسريا“ والبالغ من العمر وقت الاختطاف 33 عاماً إذ ذكر شهود عيان إرغامه بواسطة مسلحين لإحدى الميليشيات، ركوب سيارة تابعة للدولة، ولم تسمع عنه عائلته أي أخبار منذ ذلك الحين.

وقد تم تعريف الاختفاء القسري بحسب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري بأنه:

”الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية الذي يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصيره أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون“.

Enforced Disappearance Cry Drooj3

تلجأ غالبا عائلات المختفين في ظروف كالتي تشهدها ليبيا منذ 2011 من عدم وجود أجهزة أمنية مستقلة، أو مؤسسة قانونية قادرة على إنفاذ القانون وتحقيق العدالة، وتحت تهديد الميليشيات المسلحة؛ إلى الطرق غير الرسمية للاستعلام عن أماكن احتجاز مفقوديهم.

فيتولى العرف بالضغط من خلال القبيلة مهمة المناشدة، والتقصي من خلال العلاقات الاجتماعية بنافذين في الدولة، أو بالتواصل بشكل غير رسمي مع المجموعات المسلحة، غير أن هذه الوسيلة قد لا تعود بفائدة.

في أحيان أخرى يصرح أهالي الضحايا بقصص اختفاء مقربيهم لوسائل الإعلام، أو من خلال التبليغ عن الانتهاكات لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. غير أن هذه الوسائل قد تشكل خطرا على حياة أهالي الضحايا أنفسهم، إذ يزداد خطر إيذاء أهالي الضحايا ومقربيهم، ويبقى هذا الخطر قائما ما دام الفاعل مجهولا.

ولا يتوقف أثر الإخفاء القسري عند ضحايا الاختفاء القسري أو أهلهم، بل تتسع دائرة تأثيره لتتسبب في بث الذعر والخوف في المجتمعات المحلية وتقلل من إحساسهم بالأمان.

وينتهك الإخفاء القسري عددا من حقوق الإنسان منها الاعتقال التعسفي بحرمان الأشخاص من حقهم في الحصول على حماية وفق القانون، باتباع اجراءات التقاضي والمحاكمة العادلة، وتعريض المعتقلين للتعذيب والاهانة وخطر الموت.

Enforced Disappearance Cry Drooj

خيبة أمل

لا يمكن بأي حال عدم تفهم الظروف النفسية التي يمر بها أهالي الضحايا من لوم للجهات التي لا تتمكن من مساعدتهم، رسمية كانت أم غير رسمية، في المقابل إنهم لا يفقدون الأمل في العثور على أحبائهم.

لكن هذا لا ينفي الدور الذي يجب على الصحفيين ووسائل الإعلاميين والنشطاء الحقوقيين والمدنيين الالتزام به تجاه هذه القضايا بشكل أخلاقي ومهني.

وعلى الرغم من أن القانون الليبي رقم 10 لسنة 2013 بشأن الاختفاء القسري والتعذيب والتمييز، عرف الاختفاء القسري بشكل أعم وأسقط عقوبته على كل من خطف إنسانا أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه، من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع.

لكن تظل ليبيا من بين 98 دولة على مستوى العالم، ممن لم يصادقوا على المعاهدة التي صدرت عام 2008، ما نتج عنه أن ليبيا لن تلزم بإدماج نصوص هذه الاتفاقية في القوانين الجنائية الليبية.

وبحسب تقرير نشرته منظمة محامون من أجل العدالة فلا توجد ضمانات قانونية كافية في القانون الليبي بما يتعلق بجريمة الإخفاء القسري، والتي من شأنها منع هذه الجريمة، وإخضاع مرتكبيها للمساءلة، والبحث عن المختفين، وحماية المحتجزين من التعذيب، وإنصاف الناجين.

كما ذكر التقرير أن ليبيا ليست من بين الدول الموقعة على “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية“، والذي عد الاخفاء القسري جريمة ضد الإنسانية متى أرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد أيّ مجموعة من السكان المدنيين“.

غير أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970 الذي أقر عام 2011، يمنح المحكمة الجنائية النظر في الجرائم المدرجة في نظام روما، والتي من بينها الإخفاء القسري، أي أنه بالإمكان اللجوء لمحكمة الجنايات الدولية للمطالبة بكشف مصير المختفين في ليبيا، ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة.

Enforced Disappearance Drooj2

دور الصحفيين والنشطاء

الصحفي والكاتب بصحيفة فسانيا عبدالمنعم الجهيمي يعلق متحدثا عن دور الصحفيين بقوله ”تعاملت مع كثير من قضايا الإخفاء القسري، والتي كانت تحمل في الغالب الطابع الجنائي، أي أنه إخفاء بقصد طلب الفدية، ولكن وبسبب الانقسام السياسي تصبح قضاياهم سياسية أو يتم توظيفها سياسيا، وهو ما يزيد الضغط على ذوي المختطفين وعلى الصحفيين في آن معا“.

يعتقد الجهيمي أن ذوي المختطفين أصبحوا أقل ثقة في مدى نجاعة تصريحهم للصحافة حول  قضيتهم، فهم بين خيارين، التحدث مع الصحفي والبقاء تحت رحمة الزاوية التي سيتناولها ويعرض منها قضيته، والتي قد تلحق الخطر بابنهم، أو السكوت والابتعاد عن الصحافة.

وبالتالي عدم اكتراث السلطات بالبحث عن ابنهم أو السعي لتحريره والكشف عن مصيره، وهذا بطبيعة الحال ناتج عن نماذج صحفية غير مهنية استغلت قضايا الإخفاء القسري بشكل غير أخلاقي، وتسبب في تلك الفجوة التي تواجه الصحفي المهني الذي يرغب في تناول ذات القضية.

وعن الصعوبات التي تواجه الصحفي أثناء كتابته قصصا عن الإخفاء أخبرنا عبدالمنعم بأن الصحفي يواجه صعوبة في إقناع ذوي المختطفين بالتحدث إليه، وبالتالي يعاني شُحّا في المعلومات التي يريد الحصول عليها لبناء رؤيته الصحفية وتناول الجانب الإنساني.

ويرى عبد المنعم أن على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية تعزيز المزيد من الثقة بعملهم، عن طريق ممارسة مهنية سليمة، واحترام خصوصية الأشخاص والحرص على حياتهم، والنأي بأنفسهم عن التجاذبات السياسية قدر المستطاع.

UNSMIL DP

تقارير أممية

حددت بعثة الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في يوليو 2022 أنماطا واضحة لانتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز الرسمية، وغير الرسمية.

وعلى الرغم من عدم وجود بيانات إحصائية رسمية شاملة عن السجون الليبية، فإن الأدلة التي جمعتها البعثة تتعلق بأكثر من27 مكانا لاحتجاز تقع في شرق ليبيا وغربها، ويقال إنها تحتجز آلاف السجناء، بما في ذلك السجون السرية والسجون خارج نطاق القانون.

وقد فصّلت أكثر من 90 مقابلة مع محتجزين حاليين وسابقين في السجون، جرائم ضد الإنسانية متمثلة في القتل والتعذيب، والسجن والاختفاء القسري، وغيرها من الأعمال اللا-إنسانية منذ عام 2016.

2 تعليقان

إرسال التعليق